في ذكرى غزوة بدر الكبرى.. فلنكن بدريين

Posted by حسام خليل in

رسالة من: أ. د. محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومَن والاه.. وبعد

فتوشك أن تحل علينا ذكرى غزوة بدر الكبرى، يوم الفرقان، يوم انتصرت العصبة المؤمنة قليلة العدد والعدة على ملأ قريش في زهوه واستكباره، فتجذَّرت دولة الإسلام الناشئة، حقيقةً لا سبيل إلى تجاوزها، وخرَّ صرعى فراعين قريش وطغاتها وأكابر مجرميها.

وعند هذه الذكرى المباركة نتوقف ناظرين في حالنا وحال أمتنا المستضعفة، متسائلين: أيمكن أن نكون بدريين، كما كان أصحاب بدر من المؤمنين، فينظر الله إلينا نظرة رحمة ورضا، فنفلح كما أفلحوا؟

المبادرة والجاهزية:

لقد خفَّ بعض المؤمنين لتلبية نداء الرسول الكريم صلوات الله عليه، حين قال لأصحابه: "هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها"، وانتدب الناس، فسارع بعضهم وتثاقل آخرون، إذ لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيلقى كيدًا، ولكن حدث أن نجت قافلة قريش، وأقبل جيشهم يطلب إفناء الجماعة المؤمنة، وأصبح القتال مفروضًا لا خيارَ فيه، وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فهتف سعد بن معاذ زعيم الأوس: لقد آمنّا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لِما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصُبر في الحرب، صُدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسِرْ على بركة الله".. نماذج مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "رجل آخذ بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها".

ولو علم من تأخر من المسلمين عن الخروج إلى بدر أن الوقعة الكبرى مع المشركين ستكون، وأن التاريخ سيقف مشدوهًا أمام ذلك اليوم، وأن أبواب السماء ستنفتح لتتنزل الملائكة فتقاتل مع المؤمنين، وتزف أرواح الشهداء إلى أعراس السماء، لو علموا ما تثاقل منهم رجل واحد.. فطوبى للمبادرين السابقين، ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)﴾ (الواقعة)، أما من تأخَّر فما أعظم خسارته؛ إذ فقد وسام المشاركة في بدر، ووصف "بدْري" الذي وصف به هؤلاء الأعلام فيما بعد؛ وكان ذلك الوصف كفيلاً بغفران ما يلي بدرًا من ذنوب، ولو كانت كفعل حاطب بن أبي بلتعة الذي أفشى سر استعدادات المسلمين لفتح مكة، فاستأذن عمر بن الخطاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب عنقه، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم" "متفق عليه".

وظل الغياب عن مشهد بدر ألمًا في نفوس من تخلَّف عنها، يرونه منقصةً لا يغفرها إلا الصدق في طلب الشهادة عند أول جهاد.. وكان منهم أنس بن النضر، الذي قال: "إن أراني الله مشهدًا- فيما بعد- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراني الله كيف أصنع"، وهاب أن يقول غيرها؛ أدبًا مع الله وتورعًا، فقاتل يوم أحد قتالاً مشهودًا حتى استشهد رضوان الله عليه، ففيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب) والحديث متفق عليه.

ضعف الحال لا يقعد بأهل الإيمان عن طلب العزة:

لم يكن المسلمون الذين خرجوا لملاقاة قافلة قريش التجارية مهيئين لقتال كبير، فلم يكن عددهم يزيد على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، معهم سبعون بعيرًا يعتقبونها؛ وليس فيهم سوى فارسين، وبقيتهم مشاة.. وكانوا كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: "اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عالة فأغنهم، جياع فأطعمهم".. غير أن تبدل الموقف فرض وضعًا جديدًا لم يستعدوا له؛ فقد نجت القافلة، ووجدوا أنفسهم في مواجهة جيش قريش الذي يزيد عن ثلاثة أمثالهم، فإما أن يقبلوا التحدي والمنازلة التي لم يحسبوا لها حسابًا، وإما أن يؤثروا العافية ولا يستجيبوا لاستفزاز قريش، ولا يحاربوا معركة فُرضت عليهم، ولم يختاروا زمانها ولا مكانها.. غير أنهم اختاروا المواجهة لا النكوص، والجهاد الذي فرض عليهم لا الفرار.

ألا ما أكثر حجج الجبناء الذين يؤثرون السلامة في كل موقف، ويُلبسون الجبن والخور ثوب الحكمة والمسئولية والتعقل، وهذه الحجج لو قبلها المسلمون، لكان لهم في الظرف الجديد الطارئ مندوحة وعذرٌ، لكنهم آثروا ملاقاة الكفار، وليحكم الله بينهم وهو خير الحاكمين.. فإما نصر تقر به عيون المضطهدين والمحرومين، وإما شهادة تُفتح فيها أبواب الجنة، وينعمون فيها برضوان مقيم لا زوال له، ولا تحول عنه.

التربية بالقدَر الإلهي الحكيم:

ولم يكن المسلمون يريدون القتال أول الأمر؛ كما ورد في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)﴾ (الأنفال)، لقد كان اختيار الله للمسلمين خيرًا من اختيارهم لأنفسهم، أرادوا العير تعوضهم بما تحمل من أموال عن بعض ما فقدوا، وأراد الله النفير؛ ليكون أول نصر كبير للمسلمين على معسكر الشرك، وليكتب المسلمون فيه أروع صفحاتهم في تاريخهم الممتد، ولتتربى الأمة على أقدار الله، وتصنع على عينه سبحانه.

قيادة تؤثر الشورى وتنشد العدل:

كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشاورةً لأصحابه، وهو المؤيد بالوحي، وقد تربَّى أصحابه على ذلك موقنين بأنهم حَملة رسالة، وشركاء في المسئولية عنها، متفهمين الفارق بين عصمة تبليغ الرسالة وشأن الحرب والمكيدة، وتلك مشورة الحباب بن المنذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يغير موضع الجيش إلى موضع آخر أكثر مناسبةً من الناحية العسكرية؛ ومشورة سعد بن معاذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يسمح للمسلمين ببناء عريش له صلى الله عليه وسلم، يقود منه المعركة، وقد استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لكل منهما لما رأى الحق معهما، ولم يرَ في الأمر غضاضة ولا حرجًا.. إنها القيادة المؤمنة التي تفسح الطريق للعقول أن تفكر وتبدع، وللألسنة أن تتكلم وتقنع.

ولم يكن بالجيش إلا سبعون بعيرًا يعتقبونها، فيركب الثلاثة والأربعة البعير، أحدهم تلو الآخر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واثنان معه يعتقبون بعيرًا، وقد عرض رفيقا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمشيا ويركب هو صلى الله عليه وسلم فقال: "ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما" (رواه النسائي).

استمداد النصر بالدعاء:

وروى الإمام أحمد بسنده عن علي بن أبي طالب أنه قال: لقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح، وذلك ليلة بدر.. وهو يكثر من قول يا حي يا قيوم، ويكررها وهو ساجد.. وكان صلى الله عليه وسلم يرفع يده ويهتف بربه ويقول: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم نصرك.."، ويرفع يديه إلى السماء حتى سقط رداؤه عن منكبيه، وجعل أبو بكر يقول له، مشفقًا عليه: "يا رسول الله بعض مناشدتك ربك، فإنه منجز لك ما وعد".

وما أبره من دعاء مخبت إلى الله، لا يحمل همَّ بقاء الجماعة المؤمنة لمجرد حب بقائها والحرص على سلامتها، بل لأنها هي التي تحمل رسالة الحق إلى العالمين، فغدا الخوف من هلاكها خوفًا من أن تظل الأرض بغير علامات للهدى ومنارات للحق.. والدعاء مخ العبادة، بل هو العبادة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد العابدين، ولا عجب أن جاء أثر الاستعانة بالله تعالى سريعًا مباشرًا ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)﴾ (الأنفال)، فأقبلت الملائكة من السماء مردفين، يردف كل ملك ملكًا، أو يردفون المؤمنين مددًا لهم.. وقد قاتلت الملائكة بأنفسهم يوم بدر، كما تواترت بذلك الروايات.

الشوق إلى الجنة:

وكان الشوق إلى الجنة يحركهم، وقد عرفوا لها قدرها، وأنها سلعة الله الغالية، فلما حرض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على القتال، فقال: والذي نفسي بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلا غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنة، وكان عمير بن الحمام يستمع وفي يده تمرات يأكلهن، فقال: بخٍ بخٍ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة، ثم رمى بهن، ومضى يقاتل حتى استشهد رضي الله عنه.

أخوة العقيدة:

وحرر أهل بدر ولاءهم لله تعالى، فقدموا أخوة العقيدة على ما سواها، وأيقنوا أن تلاحم صفهم أداة نصرهم، وقد مرَّ مصعب بن عمير بأحد الصحابة يأسر أخاه المشرك أبا عزيز بن عمير، فقال مصعب لصاحبه: شد يدك به، فإن أمه ذات متاع- يعني ذات ثروة وغنى- لعلها تفديه منك، فالتفت إليه أخوه الأسير، وقال له: يا أخي هذه وصاتك بي، فرد مصعب: إنه أخي دونك!!.

إن إخوان العقيدة يهتفون بنا في كل موطن إسلامي مضطهد، نراهم في فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان وغيرها، قد تكالب عليهم العدو وأسلمهم إليه الصديق، فهلا نكن بدريين فنري الله من أنفسنا خيرًا في نجدتهم وغوثهم؟؟

التحذير من الحرص على الأنفال:

ولم يخصص القرآن العظيم سورة باسم موقعة بدر- كما حدث في سورة الأحزاب والفتح مثلاً، وإنما جاء الحديث عنها في سورة تحمل اسم الأنفال.. وهنا ملمح مهم ينبغي الوقوف عنده، فقد جاء العتاب الإلهي لأصحاب بدر لاختلافهم حول توزيع الغنائم- الأنفال- رقيقًا وحاسمًا في آنٍ واحد، وجاء تسمية السورة بهذا الاسم ليطيلوا تدبر ذلك العتاب وما وراءه.. بالرغم من أن اختلافهم كان في أمر لا نص فيه من الله تعالى ورسوله، وأنه لما نزل القرآن الكريم ببيان قسمة الغنائم لم يبق لخلافهم أثر، بل قالوا سمعنا وأطعنا.. بل أكثر من هذا تنازلوا عن حقوقهم بعد أن كانوا يطمعون فيما فى أيدي غيرهم.

والحق أن المعالجة القرآنية للأمر عجيبة؛ إذ تذكر اختلافهم في أول آية من سورة الأنفال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)﴾ (الأنفال)، ولكنها لا تحسم ذلك الاختلاف إلا بعد أربعين آية من السورة الكريمة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)﴾ (الأنفال).. وتمضي الآيات الأربعون في ذكر وقائع المعركة والتركيز على البناء العقدي للأمة، ثم إنها تحسم الخلاف حول الأنفال في آية واحدة، فالاختلاف حول حظ النفس لا يعالج بتشريع طويل؛ بل يعالج بعلاج النفس البشرية وتقويم المعوج منها حتى تستقيم على مراد الله للمؤمنين.. وما اهتمت به الآيات من الأمر بتقوى الله وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله هي عدة النصر التي ينبغي الاحتفال بها والاتجاه إلى تقوية دعائمها، واختلاف القلوب المؤمنة هو بداية الخذلان الذي لا ينتهي إلا بتدمير أسباب القوة والنجاة في الأمة جميعًا.

لقد اختلف المنتصرون من أهل بدر حول ما غنموه من الكافرين، أما نحن الآن فبتنا غنيمةً باردةً وأنفالاً لأعداء الأمة!!.

أصلح الله حالنا في هذا الشهر الفضيل، وجزى أصحاب بدر عن الإسلام والمسلمين خيرًا، ورزقنا محبتهم واتباعهم..

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ (يوسف: من الآية 111).. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

القاهرة في: 16 من رمضان 1431هـ الموافق 26 من أغسطس 2010م

سباق

Posted by حسام خليل in



السلعة ما زالت تجري
والناس تلاحق في الأثرِ


تتزايد سرعتها دومًا
فالسرعة من شيم العصرِ


لا تسأل عنها يا ولدي
قد غابت في لمح البصرِ


ما عادت تسري في أرضٍ
فالعملة عامت في البحرِ


فلتسبح خلف قواربها
بمعاشٍ مخروق القعرِ


واصبر لمعاشي قد يبقى
أحيانًا في رأس الشهرِ


واركب إن راح لتدركها
صندوقًا للنقد القهرِ


واطبع لحفيدك أوراقًا
تتطاير بالصك الفوري


من غير رصيدٍ واحملها
برباطٍ من فوق الظهرِ


واطلب من طيرك أجنحةً
لتلاحق صاروخ السعرِ


واحلم فالحلم بلا ثمنٍ
فلعلك تشبع مَن يدري؟


وابحث في حلمك عن زوجٍ
ولتسكن في بيت الشعرِ


وعليك بصومٍ ولتأكل
عند الإفطار من الصبرِ


فالصبر لذيذ مطعمهُ
واسأل مَن مات من الفقر


وتقشَّف حتى لا تنسى
أجدادك في العصر الحجري


واحجب عينيك عن الدنيا
واطلب مولاك لدى السَحَرِ


فالسلعة طارت للقمرِ
والعملة غاصت في النهرِ


والفرخة ما زالت تجري
والناس تُلاحق في الأثرِ

للصائم فرحتان

Posted by حسام خليل

للصائم فرحتان يفرحهما ، إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ *قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
علمنا الإسلام كيف نفرح وبأي شئ نفرح ، فنحن نفرح إذا وفقنا الله لطاعة ، نفرح لفضل الله ورحمته
*قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
هذا هو فضل الله الذي ينبغي أن نفرح له
((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما
*قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
فضل الله الذي ينبغي ان نفرح له
(ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه فى قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ) فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم
*قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
فضل الله الذي ينبغي ان نفرح له
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
*قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
فضل الله الذي ينبغي ان نفرح له
(ألم ,غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون, في بضع سنين . لله الأمر من قبل ومن بعد.ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله )
أما الدنيا الفانية سواء أقبلت أو أدبرت فلا تستحق أن نفرح بها
{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
أي حتى لا تحزنوا على ما فاتكم من رزق ، وذلك أنهم إذا علموا أن الرزق قد فزع منه لم يأسوا على ما فاتهم منه .وعن ابن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه "ثم قرأ " لكي لا تأسوا على ما فاتكم " أي كي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا فإنه لم يقدر لكم ولو قدر لكم لم يفتكم " ولا تفرحوا بما آتاكم " أي من الدنيا ، قال ابن عباس .وقال سعد بن جبير : من العافية والخصب .
إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين

رمضان شهر تحرير الإرادة والانتصار على النفس

Posted by حسام خليل in

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..

فشهر رمضان هو شهر تحرير الإرادة الإنسانية، والانضباط الأخلاقي، والتخلُّص من الضعف النفسي والتراجع الروحي، والتعالي على الأنانية والفردية، وتجاوز التفرق والتشرذم إلى الوحدة والتعاون مع المخلصين للنهوض بالنفس, وبحاضر الأمة ومستقبلها، والعبور بها من حالة الوهن والتأخر والتخلُّف إلى القوة والسيادة والتقدم، وهو دورةٌ تدريبيةُ إصلاحيةُ ربانيةُ تشمل الأمة بمجموعها، تتلقَّاها الأمة شهرًا كل عام؛ لتصحيح المسيرة وتقويم العوج والانحراف، وهي مدةٌ كافيةٌ سنويًّا لغسل الروح، وتجديد الإيمان، وتزكية النفوس، والتسامي عن المادية الطاغية.. ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: 185).

ومتى صلح القلب انفتح باب الإصلاح العام "أَلا وإنَّ في الجسدِ مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كله وإذا فسدت فسَد الجسد كله، ألا وهي القلب" (متفق عليه).

ومدرسة رمضان التربوية إنما تفتح سنويًّا لتتمَّ فيها عملية إصلاح هذا القلب، وقد كان لروحانيته العالية الفياضة أثرها الكبير في إصلاح النفوس وتجديد العزائم والإرادات، وتوحيد الأمة التي تصوم مع مطلع الفجر وتفطر مع مغرب الشمس، فتتوافق في عبوديتها لله مع الكون كله، وتلك هي مقدمة النصر في معارك الحياة المتجددة، ومن ثَمَّ رأينا انتصارات الأمة الكبرى في هذا الشهر، بدءًا من غزوة بدر يوم الفرقان وفتح مكة، وانتهاءً بمعركة العاشر من رمضان.

رمضان فرصة للمراجعة

إن رمضان فرصة مهمة لمراجعة النفس، على المستوى الفردي والجماعي، وعلى مستوى الأمة، ففي هذا الشهر بدأت رسالة الخير التي جاء بها رسول الإنسانية؛ محمد صلى الله عليه وسلم؛ داعية إلى مكارم الأخلاق، كالصدق والوفاء والعفو وكظم الغيط وحب الأوطان والتعاون الإنساني؛ لما فيه خير البشرية.

لقد جاءت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم الخاتمة لتجعل الإصلاح عنوانها الأساسي، والمسلم لا يُعَدُّ مسلمًا إلا إذا بدأ بممارسة هذه العملية ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران:110).

القرآن دستورنا

هذا الإصلاح مستمدٌّ من القرآن العظيم، هذا الدستور الجامع الذي وضع الأصول العامة لحل المشكلات التي تواجه الناس، ودعا إلى تحقيق القيم الفاضلة التي تحتاجها النهضات ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (الإسراء: 9)؛ لأنه بإعداد المؤمن الصالح تتحقق له كل أسباب النجاح.

﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ في عالم الضمير والشعور بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء وعمارة الحياة، معتبرًا إصلاح النفس وتحرير الإرادة الإنسانية المدخل الصحيح لإصلاح الأمم والشعوب.. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ في علاقات الناس بعضهم ببعض؛ بما يحقق التكافل الإنساني والتعاون البشري، ويقيم هذه العلاقات على أساس من العدالة الثابتة التي لا تتأثَّر بالرأي والهوى، ولا تميل مع المودة والشنآن، ولا تصرفها المصالح والأغراض.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة: 8).

﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ في نظام الحكم بما يحقق العلاقة العادلة المتوازنة بين الحاكم والشعب، وفي نظام المال والاقتصاد بما يدفع عجلة التنمية والإنتاج، وفي نظام القضاء بما يحقق العدل الذي تستقر به الأحوال، وفي نظام التعامل الدولي بما يحقق التكريم اللائق بعالم الإنسان، ويحفظ لكل أمة كرامتها وخصوصيتها.

رمضان والمشروع الإصلاحي

إن رمضان فرصة للتذكير بالمشروع الإصلاحي الشامل الذي صارت أمتنا في أمسِّ الحاجة إليه في كل مؤسسات المجتمع، وفي هذا الصدد فإنني أذكِّر ببعض أهم ملامح هذا المشروع الإصلاحي:

1- أنه مشروع شامل لكل مناحي الحياة ، فهو يشمل الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأخلاقي والتعليمي والإعلامي، بعد أن استطاع المفسدون في الأرض- من خلال الزواج غير الشرعي بين السلطة والثروة- أن يشيعوا في الأمة اليأس والفوضى والرشوة والوساطة والمحسوبية، وأن يقزِّموا دور الأمة عالميًّا، ويهدروا كل مقومات النجاح والنمو لصالح مكاسبهم الشخصية والعائلية الضيقة.

2- أنه مشروع شامل لصالح كل فئات وطوائف الأمة، فلا يعمل لصالح فئة، ولا يصوغ الدساتير والقوانين لصالح طائفة، وإنما يصوغ للأمة كلها ويعتبرها وحدة واحدة، وإن اختلفت أديانها ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إليهمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8).

3- أنه في حاجة لتضافر جهود جميع المخلصين من أبناء الأمة، فيشترك فيه غير المسلم مع المسلم والمرأة مع الرجل، باعتبار الجميع لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات، ومن مصلحة الجميع تحقيق الإصلاح، ولا نجاح لمشروع الإصلاح الذي يريد نقل الأمة إلى مصاف الأمم المتقدمة إلا حينما يدرك كل إنسان أن عليه دوراً وأن عليه واجباً، وأن من الضروري إشعار المفسدين برفض فسادهم، والمواجهة العامة لكل ظواهر الفساد والانحلال في المجتمع.

أما حينما تتقوقع الأمة، وتصبح مجموعة من الإمَّعات، ويهتم كل فرد بنفسه، ولا يهمه أن يرى فسادا قائما، ولا يشغله أن يقوم عوجا حاصلا، فسوف تغرق السفينة بمن فيها "‏مَثَلُ الْقَائِمِ على حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا على سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا على مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا! فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا على أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا" (متفق عليه).

إن تحول أفراد الشعب- رجالا ونساء، مسلمين ومسيحيين- إلى فعاليات العمل العام واقتناعهم بضرورة المشاركة في الشأن العام وفي مؤسسات المجتمع المدني أحد أهم ركائز الإصلاح، وعلى عاتق الأحزاب والهيئات السياسية والنخب الفكرية والثقافية والتربوية وجماعات العمل العام يقع عبء توظيف كل الطاقات في الأمة وتفعيل الجماهير وبخاصة الشباب، للقيام بدورهم الطبيعي في الإصلاح.

وما لم نحمل قضية الإصلاح كلُّنا، أفرادا وجماعات، كبارا وصغارا، رجالا ونساء، فإن الهلاك قادم لا محالة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ (هود:117).

4- أنه منهجٌ سلميٌ يؤثر الوسائل الديمقراطية، ويتبنى النضال الدستوري سبيلا لا بديل عنه لتحقيق الأهداف الوطنية، ويرفض بكل حزم وإصرار خيار العنف أو العمل التآمري، وفي ذات الوقت يتصدى بكل عزيمة وبكل الوسائل القانونية والشعبية لمواجهة الاستبداد والطغيان وتزوير إرادة الأمة، ويقاوم بكل إصرار محاولات غرس اليأس والإحباط في نفوس الشباب.

هيا نتعاون على الإصلاح

من هذا المنطلق كان اجتماع الإخوان المسلمين مع قوى المجتمع الحية من الأحزاب والهيئات الوطنية والجمعية الوطنية للتغيير على مطالب الإصلاح السبعة المتفق عليها، ودعوة جماهير الأمة إلى التفاعل معها والمشاركة الجادة في التوقيع عليها، كمقدمة للإصلاح السياسي في مصر، ومن ثم كمدخل لعملية الإصلاح الشامل التي تتوق إليها جماهير الأمة، وسيبقى الإخوان المسلمون حريصين على التواصل مع كافة قوى المجتمع، وعلى إنجاح كل الجهود الرامية لتوحيد صفوف القوى الوطنية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وهم يعلمون تمام العلم أن طريق الإصلاح الحقيقى طويل يحتاج إلى صبر وتضحيات ، لكن أجر العاملين فيه جزيل ﴿إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ (الأعراف: 170).

وإذ يأتي رمضان هذا العام ومصر مقبلة على انتخابات نيابية ومن بعدها انتخابات رئاسية، فإن كافة قوى الأمة السياسية والأهلية مطالبة بتفعيل هذا المشروع الإصلاحي، وبالتنسيق في المواقف؛ لإجبار النظام الحاكم على التجاوب مع مطالب الإصلاح والتغيير، وإطلاق المعتقلين السياسيين، وتدعيم الديمقراطية، والقبول بتحقيق ضمانات نزاهة العملية الانتخابية، وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، وتعديل المواد الدستورية المعيبة لفتح باب الترشح لكل راغب في خدمة هذا الوطن، وإعطاء الشعب وحده حق اختيار وتحديد من يقوده للمستقبل.

صبرًا أيها المجاهدون

أما أحبتنا خلف أسوار الظلم الذين يدفعون من أعمارهم وأموالهم وصحتهم ضريبة السير بمشروع الإصلاح والتغيير فنقول لهم: صبرا، فإن ليل الظلم قد آذن بزوال، وإن أمتكم لَتُقَدِّر وتُثَمِّن جهادكم وتضحياتكم في سبيل رفعة وطنكم، والله معكم بنصره وتأييده﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ (إبراهيم: 42) ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 277).

والله أكبر ولله الحمد، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الدكتور أحمد عبد الرحمن

Posted by حسام خليل




الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وأهله وصحبه وسلم .

الإخوة ممثلى الأحزاب والقوى الوطنية . . الحفل الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وكل عام وأنتم بخير . . وتقبل الله منا ومنكم .

ها نحن نلتقى اليوم . . وكما تعودنا فى كل عام نتدارس أحوال مصرنا العزيزة أملاً أن تستعيد عافيتها ومكانتها .

إلا أن لقاءنا يأتى هذا العام . . ومصر تئن من كثرة المشكلات التى كبلت إرادتها ، وأعاقت مسيرتها . ما بين جمود سياسى وفساد وغياب للحريات ، وفشل فى كل شئ وتراجع فى دور مصر الإقليمى والدولى بشكل لم يحدث على مدار تاريخها .

من كان يتصور أن يصل التراجع أمام المشروع الصهيوأمريكى لدرجة أن يستعين العدو الصهيونى بمصر للضغط على المقاومة الفلسطينية بشكل أو آخر لتقبل حلول الاستسلام ؟!.

الإخوة الأفاضل . .

إن سوء الأوضاع التى وصلت إليها مصر يستوجب على جميع القوى الوطنية أن تتكاتف ، وتتعاون وأن تنبذ الخلافات ، وأن نضع أيدينا جميعاً من أجل طريق واحد . . طريق الحرية ، والديمقراطية . ونحو هدف واحد . . هو التغيير والإصلاح .

ولقد كان - ولايزال - الإخوان المسلمون يمدون أيديهم للجميع ، ويتواصلون مع التيارات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار معلنين بكل وضوح . . أن قلوبنا مفتوحة للجميع . . وأيدينا ممدودة للتواصل . .

فمساحات الاتفاق أكثر بكثير من نقاط الخلاف ، ومارسنا هذا بصورة عملية . . فلم نترك أى تجمع يدعو للإصلاح أو التغيير إلا وسارعنا ، وكنا أول المشاركين . . وكنا أيضاً أول من يدفع ثمن المطالبة بالتغيير والإصلاح .. فلم تخلُ سجون مصر من شباب وشيوخ الإخوان طوال السنوات الماضية . وحرمنا وسائل الدفاع عن أنفسنا ، وقدمنا للمحاكمات الاستثنائية والعسكرية ، وأغلقت صحفنا ، وعطلت أقلامنا .

كل هذا والإخوان فى كل بلد وقرية من قرى مصر بل فى كل شارع وحارة يرددون ما تعلموه داخل هذه الجماعة المباركة ، إن قومنا أحب إلينا من أنفسنا ، وأنه حبيب على هذه النفوس أن تذهب ثمناً لمجدهم وكرامتهم ، لم لا ؟! وهم يقرأون ، ويتدارسون رسائل مرشدهم الأول الذى يقول لهم : هل أنتم مستعدون لتجاهدوا ليستريح الناس ؟ وتزرعوا ليحصد الناس ؟ بل وتموتوا لتحيا أمتكم ؟

الإخوة الأحباب :

نعلم أن هناك الكثير من المخلصين لهذا الوطن من غير الإخوان ، يقدرون هذا الدور ونعلم أيضاً . أنه ما زال هناك بعض من يسئ بنا الظن . . ويتحامل علينا . . ولا يرانا إلا بالمنظار الأسود .

وهذا سنقول له أيضاً ما تعلمناه من الإخوان : سنظل نحبك . . وشعارنا معك قول الرسول الكريم . . اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون .

نعم . . لا يعلمون كيف نأى البنا بهذه الجماعة منذ نشأتها أن تكون أداة صراع داخلى أو طائفى ، أو عنف ، وادخروا قوتهم لوطنهم وقضاياهم الكبرى ، وأبوا أن يتورطوا فيما تورط فيه غيرهم من عنف أو حتى يبددوا عقولهم فى قضايا الجدل التاريخى أو الخلاف الفقهى . وأعلنوا من أول يوم أن الوسطية السمحاء ، والنضال السلمى الدستورى ، والدولة المدنية هى طريقهم لإحداث التغيير والإصلاح المنشود .

الإخوة الكرام :

إن المصالحة الوطنية التى تؤدى إلى تضافر جميع الجهود ، وتكاتف كل القوى . . هى فريضة الوقت . . لا تجعلوا هذا النظام البائس الفاسد الظالم يحول دون تحقيق هذه الوحدة . . وهذه الفريضة .

فهو يريد أن يحرم الإخوان من جهود المخلصين من التيارات الأخرى وأيضاً يحرم التيارات الأخرى من الإخوان حتى يستمر فى نهب ثروات وعقول هذا البلد .

ولكن . . هيهات . . هيهات . . فلقد بدأ الزحف نحو الحرية ولن يتوقف إن شاء الله .

وهذا الجمع الموجود أمامى الآن . . من جميع القوى الوطنية والذى يجتمع فى حب وتفاهم وإصرار على التعاون وأيضاً مئات الألوف من التوقيعات على مطالب التغيير . . لخير شاهد على هذا .

الإخوة الكرام . .

يتساءل البعض عن موقف الإخوان من الانتخابات التشريعية فلقد أعلن الإخوان أن كل الخيارات مطروحة . . وأننا سنكون مع الإجماع الوطنى – إن وجد –

وفى جميع الأحوال . . فنحن مستعدون للتعاون والتنسيق مع كل من يريد ذلك .

وفى الختام . . أشكر لكم حضوركم . . وحيا الله مصر وشعبها . . وخذل أعدائها . . ورفع لوائها .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ياناس مفيش أحلى من العفة

Posted by حسام خليل in


رمضان شهر بناء الإرادة وتحريرها

Posted by حسام خليل in

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..

فمع إشراقة رمضان ونسماته العطرة، تفوح في الأفق فضائله التي منَّ الله علينا بها، فهو شهر القرآن؛ دستور الأمة.. ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: من الآية 185).

وفيه تضاعف الحسنات، وتفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار.. "إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين"، وفيه ليلة القدر؛ التي هي خير من ألف شهر، كما قال المعصوم: "فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم"، وفيه تتحقق التقوى بأجلِّ صورها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة)، ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أدرك رمضان ولو مرة ولم يغفر له بقوله: "رغم أنفه"، وهو شهر الانتصارات العظيمة في التاريخ الإسلامي قديمًا وحديثًَا، ففيه غزوة بدر الكبرى، وفيه فُتحت مكة، وغيرهما من الانتصارات المجيدة، كان آخرها نصر العاشر من رمضان الذي دخل الجنود معركته وهم صائمون، ولعل من أهم أسباب هذه الانتصارات هو التحلِّي بالمعاني الحقيقية التي يرسِّخها الصيام في النفوس، ومن أهمها وأبرزها تحرير الإرادة بكلِّ معانيها وعلى كل مستوياتها، فكما أن الصوم يهدف إلى تحقيق التقوى في النفوس، فهو كذلك يبني الإرادة الحرة، وكما أن جوهر الإخلاص وحقيقته هو التحرر من الخضوع لكلِّ قوة من دون الله مهما بلغت؛ فإن الصوم وسيلة لتحرير الإنسان من عبودية الإنسان والعادات والشهوات، فمن تدرَّب على أن يمتنع- باختياره- عن شهواته وملذاته، ويصرُّ على الامتناع عنها؛ لا لشيء إلا طاعة لله، فلا بد أن تخرَّ أمامه الأهواء والعادات، ويشعر بالنصر عليها.

فالمحرمات على الصائم شديدة الصلة بحياته اليومية، وذلك لتعميق الأثر في تربية الإرادة في نفسه لتجعله أقوى على ترويضها، والتحرُّر من سطوة الغريزة ومكايدها، ولتقوية عزيمته وشحذ همته، فالصوم يحدُّ من طغيان الجسد على الروح، والمادية على الإنسانية، والعبودية على الحرية، فإرادة الإنسان عندما تخضع لإرادة الله سبحانه وتعالى لا تذوب لتموت، وإنما تذوب لتحيا وتدوم، فكيف بإنسان انتصر على شهواته الحلال الضرورية أن ينهزم أمام شهوات حرام.

لذا يعدُّ الصيام من أكثر العبادات دعمًا للروح في الإنسان؛ لأن الصيام يضعف الشهوات التي يزكيها إفراطه في الطعام والشراب، وبذلك يحقق الغاية في الارتقاء بروحه إلى مرتبة كمال الخشية من الله، وتمام الالتزام بما تقتضيه تلك العبادة من ضوابط وأخلاق وآداب؛ بحيث يقيم الصائم من نفسه رقيبًا على نفسه، فلا يرائي الناس بصومه فيعالجه الصيام من هذا الداء الذي هو أخوف ما يخافه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماه الشرك الأصغر حتى يؤدي صومه على الوجه الأكمل الذي يريده ربنا ويرضاه، حتى يصل إلى منزلة الربانيين الذين يعظِّمون شعائر المولى عزَّ وجلَّ قولاً وعملاً، فتصير حركاتهم وسكناتهم وصلاتهم ونسكهم ومحياهم ومماتهم لله رب العالمين ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام:).

وهذا هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم"، الذي يربي في المسلم قوة الإرادة ويجعل من الصوم وسيلةً لتحسين الأخلاق، وكظم الغيظ، ومواجهة الأذى والجهل بالعفو والصفح.

والمسلم في رمضان يخالف عاداته ويتحرَّر من أسرِها، ويترك مألوفاته التي أحلَّ الله له؛ فتراه ممتنعًا عن الطعام والشراب والشهوة في نهار رمضان امتثالاً لأوامر الله عزَّ وجلَّ، وبذلك يصبح الصوم عند المسلم مجالاً رحبًا لتقوية الإرادة؛ فيستعلي على حاجيات الجسد، إيثارًا لما عند الله تعالى من الأجر والثواب.

بين الإرادة والحرية:

فالإرادة إذن هي القوة التي تُمَكِّن الإنسان من أن يقول: (نعم) أو (لا) بكامل حريته النابعة من عبوديته لله وحده لا شريك له عندما تدعوه شهوة أو عاطفة، أو يحاول ظالم أن يوظِّفه لخدمة أغراضه ومطامعه، ويكون إمامه وقائده في ذلك تقوى الله ورضاه، فالقدرة على الرفض والامتناع أقوى من القدرة على القبول والإيجاب؛ لذا فعندما تحرَّرت إرادة المسلمين الأوائل من جواذب نفوسهم الأرضية وحققوا في أنفسهم المعاني الحقيقية للصيام استحقوا نصر الله، ودانت لهم الدنيا، فإذا كنا نريد تحقيق النصر فعلينا تحرير أنفسنا وإرادتنا كما فعل أسلافنا.

وهكذا الصيام يربي الإنسان على أن يكون حرًّا في حياته كلها؛ بحيث لا تستعبده شهوة، ولا تقهره عاطفة، ولا يملك مصيره إنسان، أيًّا كان ذلك الإنسان. وهكذا يكون سيِّد نفسه، ويملك أن يريد أو لا يريد، كما أنه ينمي استقلال الإرادة، ويمرِّن الصائم على اعتياد التحرر ليواجه التحديات والصعاب بمزيد من الثبات والعزم والجلد، فلا يذلُّ ولا يستكين، فالصوم إلى جانب كونه ترويضًا للنفس لتربيتها على الإرادة، فهو عبادة لله، يتقرب بها المسلم إلى الله.

فإذا استفاد المسلم من هذا الشهر المبارك فقويت عزيمته وإرادته، وطالت مدة التغيير فاستوعبت الشهر كله، فتترسَّخ الصفات، ويصبح متين الخلق وليس صاحب خلق فقط، ووجد العون من المجتمع؛ بحيث يكون مشاركًا له في هذه العبادات والقربات، فيكون الكل مشاركًا في عملية التغيير؛ مما يعين على امتداد الأثر ليشمل حياته كلها، وهنا فرقٌ بين أن أشارك المجتمع ويشاركني في الخير وبين أن أكون إمَّعة؛ لأن الإنسان في الحالة الأخيرة سيشارك المجتمع في الإساءة إذا وجد الناس يسيئون؛ لذا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم؛ إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن لا تظلموا".

والإنسان عمومًا تتجاذبه نزعتان: الأولى مادية.. مصدرها العنصر المادي في تكوينه، ومنها تصدر التصرفات غير السوية في سلوكه إذا أرضى ماديته فقط ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ (التوبة: من الآية 38)، والثانية روحية تدفعه دائمًا إلى أن يرتفع في تصرفاته عن كل ما ينتقص دينه أو خلقه، وهي التي يستعلي بها عن الدنايا والخطايا.

والعبادات في الإسلام تستهدف دعم العنصر الروحي في الإنسان حتى تتمَّ له الغلبة على العنصر المادي، وكلما قوِيَ العنصر الروحي فيه كانت صلته بربه أشدَّ رسوخًا وأكثر شموخًا، وهنا يأتي الصوم ليزكي النزعة الثانية ويرسخها في النفس، وبذلك يروِّض الصائم نفسه ويحرِّر إرادته من آثار النزعات والرغبات والشهوات، وبذلك تتحرَّر إرادته ذاتيًّا.

وتلك التجربة العظيمة في ترويض النفس بالجوع وتحرير الإرادة بالحرمان وتقوية العزيمة بالصيام جديرةٌ في ذاتها بالتقدير والاعتبار؛ لما لها من أثر بالغ في تربية شخصية المسلم الصائم، وصقلها، وتنقيتها من شوائب الضعف والوهن والخمول، وبهذا يتحقق فينا "المسلم القوي الأمين" الذي هو أحب إلى الله جلَّ جلاله، كما أخبر عن ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: "المؤمن القويُّ خيرٌ وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف".

تحرَّر في رمضان

فلنجعل من رمضان فرصةً لتقوية الإرادة والاستعلاء على الشهوات والمألوفات، والتحرُّر من أسر العادات، حتى نكون ممن أدركهم الله برحمته فوفِّقوا لصيام رمضان وقيامه إيمانًا واحتسابًا فغُفر لهم، فالصيام رياضة قلبية وليس حرمانًا جسديًّا، فنحن في أمسِّ الحاجة إلى أن نعرج بأرواحنا في رمضان من خلال تعزيز إرادتنا وتقويتها، وأعظم العلامات على ذلك الامتثال لما أمرنا الله به والامتناع عما نهانا عنه، حتى تشف أرواحنا وتقوى فتتعامل بتفاعل مع القرآن: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)﴾ (الشورى:52).

إن قوة العزيمة والإرادة التي يرسِّخها الصوم في نفوسنا هي ما تحتاجه الأمة في مواجهة الأهواء والشهوات والفتن والتحديات، وتحتاجها لمواجهة ميل النفوس إلى الدعة والراحة وإيثار السلامة على الجهاد والتضحية والبذل والعطاء.

فنحن في حاجة لأن تتحرَّر إرادة الأمة وإرادة قادتها من الجواذب الأرضية والعمل الجادّ والحثيث؛ لتغليب الصالح العام على الخاص، ومناصرة قضايا الأمة والذَّود عنها، وعدم الترخُّص فيها وعدم الركون إلى الدعة وإيثار السلامة على مواجهة التحديات والتغلب عليها.

إن التغيير الذي يحدثه رمضان في النفوس ليس فرديًّا وحسب، ولكنه تغيير جماعي على كلِّ المستويات ويشمل الأمة بجميع عناصرها، فالأمة في أمسِّ الحاجة إلى تحرير إرادتها، وفي المقدمة منها رؤساؤها وزعماؤها، فهم مطالبون بتحرير إرادتهم من تأثير كل تبعية خارجية لا ترجو الخير للأمة ولا لمستقبلها، فهم لا يملكون لكم نفعًا ولا ضرًّا ولا عزًّا، كما قال ربنا عزَّ وجلَّ: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)﴾ (النساء: 139)، وليعلموا أن في تحرير إرادتهم تحريرًا لإرادة الأمة جمعاء، وإن تثاقلوا وتباطئوا فسوف يبوءون بإثم الأمة جمعاء، وستتمُّ سنة الله في الكون، وسوف يتم التغيير وستتجاوزهم الأحداث، فليقُمْ كلٌّ بدوره المنوط به، وليؤدِّ واجبه المفروض عليه غير متخاذل ولا منكسر، ولتعلموا أن شعوبكم أعظم سند لكم، فانحازوا لهم واحتموا بهم.

أيها الإخوان المسلمون.. أيها الناس أجمعون..

إن الباعث الحقيقي للتغيير داخلي؛ لذلك فمن انهزم داخل نفسه كان أعجز من أن ينتصر على غيره، فلنجعل من رمضان فرصةً حقيقيةً للتغيير والانطلاق الجادِّ نحو تحرير إرادتنا على كلِّ الأصعدة، والتمسك التامِّ بما يأمرنا الله به، والعمل الجادِّ لتحقيق أوامره وتطبيقها على أنفسنا، واعلموا أن تحرير إرادتنا هو سرُّ قوتنا ونصرنا وعدم تحكم أي قوة فينا، وهو الدافع الحقيقي لرفض الإهانة والذلِّ والهوان الذي قد يرضى به بعض ضعاف النفوس ممن لا يَحيون صوم رمضان واقعًا معيشًا.

إن أول الهم إرادة، وآخر الهم همة، فلنتحركْ ولندعُ إلى الله في كلِّ وقت وحين، ولا نهدأ ولا نملّ، ولنجعل من التربية الرمضانية زادًا روحيًّا لنا؛ لتحقيق مستهدفاتنا، ولنبذل أقصى وُسع لنا في تحقيق ذلك، وليكن شعارنا كما قال بعض السلف: "أعظم الناس وسعًا أعظمهم إيمانًا"، واعلموا أن أولى الخطوات على طريق النصر هي تحرير الإرادة من كلِّ الجواذب الأرضية.

أيها القادة والرؤساء والزعماء..

إن رمضان فرصة لتحرِّروا إرادتكم، وتتحلَّوا بأخلاق الصيام وشمائله، وتنحازوا إلى مصالح أمتكم وشعوبكم؛ كي تنالوا رضا ربكم وثقة شعوبكم وأمتكم، فإن ما عليه الأمة من ذلٍّ وهوان هو نتاج سياساتكم البعيدة عن مصالح شعوبكم والمؤْثرة للمصالح الخاصة على العامة؛ فعودوا إلى ربكم في هذا الشهر الكريم، وحرِّروا إرادتكم لله رب العالمين.. ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾ (الحج).

أيها الأحباب خلف الأسوار..

لقد ضربتم بثباتكم وصبركم- ومعكم أسركم وأبناؤكم- أعظم المثل في تحرير إرادتكم، وعدم تحكُّم أحد- أيًّا كان- فيكم، وواجهتم جميعًا ما أنتم فيه بعزم لا يعرف العجز ولا الهزيمة.. اعلموا أن المنهزم هو الذي لم يستطع أن ينال من إيمانكم وفكركم، وهؤلاء هم من ستخور إرادتهم إن لم يفيئوا إلى رشدهم، ويعودوا إلى طريق ربهم.. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾ (يوسف).

أعانكم الله على طاعته وبرِّه، وعجَّل لكم بفرجه القريب عاجلاً غير آجل، وخَلَفَكم في دعوتكم وأمتكم وأهليكم وأبنائكم وأموالكم بخير ما يخلف به عباده الصالحين.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، والله أكبر ولله الحمد.

رمضان

Posted by حسام خليل in


رمضان.. منطلق البناء والتغيير

Posted by حسام خليل in

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..

فإن الأمة الإسلامية عامةً والمنطقة العربية بصفة خاصة تمرُّ بمرحلة عصيبة، لم تمر بها من قَبْل؛ حيث تتألَّب عليها قوى الشر والباطل، وتلقي بكلِّ ثقلها؛ من أجل تثبيت نبتة خبيثة في أرض طيبة مباركة، وبارك من حولها، ولكونها طيبة مباركة فهي تنفي خبثها وتجتثه من جذوره.

وفي تلك الفترة من التاريخ تمَّ غزو أفغانستان، واحتُلَّت العراق، وتُنهب الثروات، وتُشرد الشعوب، ويُقتل مئات الآلاف من الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وتُغتصب النساء ويُعْتَدَى على المقدسات، ناهيك عن ما يقع في باكستان وكشمير والصومال واليمن بإيعاز من قوى الشر العالمية، والممثلة في الصهيوأمريكية، ومن يحالفهم من العملاء، ويمنحهم صك التدخل والعدوان..

وكان من ثمار ذلك:

- أزمة اقتصادية عالمية تأتي على الأخضر واليابس، ولا تبقي ولا تذر.. واصطلت البشرية بِنَارِها.. وماذا بعد أن تصير ديون أمريكا بأرقام فلكية.. وتشهر دول إفلاسها، وتعلن المئات من البنوك إفلاسها كذلك.

- يأس قاتل لا يُرَى معه بارقة أمل في الإصلاح.. ألقى بظلاله على الحكام، فجعلهم يستسلمون لكل ما يملى عليهم، ويَقْبَلُون بالذلِّ والعار، ولا ينهضون لمقاومة الغاصب المحتل.. وَلَيْتَهَم حين يستسلمون يتركون لشعوبهم حق الحياة والحرية والمقاومة، بل يضربون على أيديهم بعصا غليظة من حديد؛ لتمنعهم حقهم في المقاومة المشروعة بل وتسلب حريتهم.

- انحدار أخلاقي، وضياع للقيم الفاضلة والمثل العليا.

- ضياع الأمن والأمان في ربوع العالم.

- شقاء ونكد لا يعلم القوم له سببًا، لكن الله أعلمنا ذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)﴾ (طـه).

والواقع خير شاهد على أن هذه القوى العالمية التي تريد أن تسيطر على العالم فاسدة في كلِّ توجهاتها، وهابطة في كلِّ قيمها، وكل مشاريعها منهزمة عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وأخلاقيًّا، والهزيمة تلاحقهم في كلِّ أرض نزلوا بها، وسوف يخرجون من فلسطين وأفغانستان والعراق تمزق أكبادهم الحسرات على ما أنفقوا من أموال، وتكون عليهم الحسرة مع ما ينتظرهم من عذاب أشد وأبقى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)﴾ (الأنفال).

أيها المسلمون في كلِّ مكان... أيها الناس أجمعون! هذا جانب ضئيل لبعض ما آل إليه حال العالم من ضيق وضنك، والجميع يبحث عن منقذ ينتشله من الردى، ومنفذ يخرجه من الظلمة.. وغاب عنهم أن المنقذ بين أيديهم، وأن علاجهم من بين جنباتهم.

إنه الإسلام دين الرحمة والعدالة والمساواة والحرية.. والقيم العليا والفضائل المثلى.

إنه القرآن الكريم رسالة الله الخالدة: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾ (فصلت).

إنه الرسول الخاتم، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء: من الآية 107).

شهر رمضان منطلق التغيير:

إن طريق الإصلاح يبدأ من النفس، والإصلاح الذي ننشده ليس بعسير، وليس عنَّا ببعيد، إنه يتحقق بإصلاح أنفسنا التي نحملها بين جنوبنا، نصلحها بأن نأخذ بزمامها إلى ما يرضي الله، فيغير الله كل شيء حولنا، وصدق الله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية 11)، فواجب كل مسلم ومسلمة أن يعرف ربه، وأن يُصْلِح نفسه، وأن يدعو غيره لهذا الخير.

وشهر رمضان الذي بدأت نسماته تطل علينا من بعيد، تحمل في طياتها كل معاني التغيير، وكل مقومات بناء النفس بداية من تطهيرها من ذنوبها وآثامها، ويصل بها إلى أعلى درجات التزكية ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾ (الشمس).

إنه شهر الصوم، وشهر القرآن، وشهر القيام، وشهر الصبر.. كما أنه من أعظم مواسم الطاعات، فيه صنوف من العبادة تختص به، ويختص بها، وهي جمال لأوقاته، وزينة لساعاته، وحلية لأيامه ولياليه، والطاعة مذاقها حلو في كلِّ وقت، وهي في هذا الشهر أحلى، وثوابها عند الله أعظم وأجزل.

شهر رمضان شهر تربية وطهارة ونصر:

- فالصوم تحرير من سطوة الغرائز: لقد فرض الله الصيام، ليتحرر الإنسان من سلطان غرائزه، وينطلق من سجن جسده، ويتغلب على نزعات شهواته، ويتحكم في مظاهر حيوانيته، ويتشبه بالملائكة، فليس عجيبًا أن ترتقي روح الصائم، ويقترب من الملأ الأعلى، ويقرع الصائم أبواب السماء بدعائه فتفتح، ويدعو ربه فيستجيب له، ويناديه فيقول: لبيك عبدي لبيك.

ولعل ذلك يفسِّر لنا أن آية الدعاء تتخلل آيات الصيام: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾(البقرة).

الصوم مُطَهِّر من الذنوب: وكيف لا يستجاب للمسلم والصوم يطهره تطهيرًا.. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

في الصوم ارتقاء بالأخلاق: والصوم يزكّي النفس المسلمة، ويسمو بأخلاقها؛ حيث يدعوه إلى الترفع عن الصخب والرفث، وألا يَرُدّ الشتم والمقاتلة بمثلها، بل بالتذكير بقيمة الصوم، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ..".

كما يدعوه إلى الترفع عن قول الزور والعمل به (ومنه تزوير الانتخابات)، وعدم مساعدة الظلم أو دعم الباطل حتى يُجْنِي ثمار صيامه، وبَيَّن أنه كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".

وفي ذلك يقول الشاعر:

إذا لم يكن في السمع مني تصامم وفي مقلتي غض وفي منطقي صمت

فحظي إذن من صومي الجوع والظما وإن قلت إني صمت يومًا ما فما صمت

ورمضان شهر القرآن الكريم: وفي رمضان نزل القرآن الكريم؛ ليُخْرِج الناس من الظلمات إلى النور؛ وليهديهم إلى الصراط المستقيم، ويضع بين أيديهم المنهج الكامل، والدستور الدائم لكلِّ جوانب الحياة، وفي رمضان يُقْبِل الناس على المساجد والبيوت، على تلاوة القرآن الكريم وترتيله، وكذلك مدارسته وتعليمه وترجمة ذلك إلى عمل، وفي ذلك صقل للنفوس، وتهذيب للأخلاق، وتحلي بالقرآن، وقد كان هذا هو خلق رسول الله، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ "فَقَالَتْ: "كَانَ خَلْقُهُ الْقُرْآنَ، يَغْضَبُ لِغَضَبِهِ، وَيَرْضَى لِرِضَاهُ".

إن العالم الإسلامي في رمضان المبارك يتحوَّل إلى ما يُشبه المسجد، ويا له من مسجد عظيم تعج كل زاوية من زواياه، بل كل ركن من أركانه، بملايين الحفّاظ للقرآن الكريم. يرتلون ذلك الخطاب السماوي على مسامع الأراضين، ويَظْهَرون بصورة رائعة براقة، مصداق الآية الكريمة: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: من الآية 185).

وفي رمضان قيام الليل: ولقيام الليل فضل عظيم لا يفوقه سوى فضل الصلوات المكتوبة فحسب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- يَرْفَعُهُ قَالَ: سُئِلَ أَيُّ الصَّلاَةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: "أَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلاَةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ"، وعَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً، يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلاَنَ الْكَلاَمَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ".

وقيام رمضان طهارة من الذنوب، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي رَمَضَانَ: "مَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

وكان في سالف الأزمان يصعد المؤذن المنارة، وينشد:

يا رجال الليل جدوا رب صوت لا يردُّ

ما يقوم الليل إلا من له عزم وجدُّ

شهر رمضان شهر الجهاد:

ويبقى شهر رمضان؛ ليمنح المسلمين القوة، ويذكرهم ببدر، وإن أعداء الله ليخشون المواجهة مع المسلمين في رمضان؛ لأنهم على يقين من أن رمضان يمدُّ المسلمين بقوة لا تكون لهم في غير رمضان، ولقد كان الروس يتطيرون من رمضان؛ لأنه جرَّ عليهم في السابق ضربات موجعة، ويخشون من أن يهل عليهم شهر الجهاد وهم لا يزالون في مواجهة مع المسلمين فتنزل بهم الهزيمة.

إن رمضان ليس شهر استسلام وخمول، بل هو شهر صبر يمنح المسلم زاد الجهاد، فأول عدة للجهاد هي الصبر والإرادة القوية، فإن من لم يجاهد نفسه هيهات أن يجاهد عدوًا، ومن لم ينتصر على نفسه وشهواتها، هيهات أن ينتصر على عدوه، ومن لم يصبر على جوع يوم، هيهات أن يصبر على فراق أهل ووطن من أجل هدف كبير، والصوم بما فيه من الصبر، وفطام للنفوس من أبرز وسائل الإسلام في إعداد المؤمن الصابر المرابط المجاهد، الذي يتحمل الشظف والجوع والحرمان، ويرحب بالشدة والخشونة وقسوة العيش، ما دام ذلك في سبيل الله.. والتاريخ شاهد أن جُلَّ المعارك الكبرى كانت في هذا الشهر المبارك، بدر الكبرى، وفتح مكة، وموقعة بلاط الشهداء سنة 114هـ - 732م في بواتييه بفرنسا، ومعركة عين جالوت سنة 658هـ - 1260م في فلسطين.

ولقد أدرك هذه الحقيقة أعداؤنا فيعلل المستشرق «نيكلسون» سر انتصار المسلمين في بدر على قِلَّتهم تعليلاً جزئيًّا بقوله: "لقد كان انتصار محمد على قريش الوثنيين أمرًا طبيعيا بدهيًّا؛ لأن الرسول كان يُعَلِّم أتباعه النظام العسكري والجندية الكاملة خمس مرات في المسجد، ولا شك أن الفكرة العسكرية ملحوظة في الصلاة.. ولا شك أن لها آثارها ونتائجها، ولكنْ هناك روح خفيَّة أخرى يرجع إليها هذا الانتصار الباهر، ألا وهي روح الإرادة التي أشعلها في نفوس المسلمين شهر رمضان الذي وقعت خلاله هذه المعركة الإنسانية الكبرى، وأن الأرواح التي حاربت في صفِّها الملائكة لا بد أن تكون قد بلغت من الصفاء والإيمان والتجرد والإخلاص حدًّا ما كان ليستنزل جند السماء من السماء إلا لملائكة البشر الذين ربَّاهم رسول الله في مدرسة الوحي، وفي معهد القرآن، وبين جدران المسجد، وذلك يشع من قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾ (آل عمران: 123).

ذلكم هو الصوم في الإسلام، لم يشرعه الله تعذيبًا للبشر، وكيف هذا وقد جاء في آيات الصوم قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾ (البقرة: من الآية185).

وإنما شرعه الله إيقاظًا للروح، وتصحيحًا للجسد، وتقوية للإرادة، وتعويدًا على الصبر، وتعريفًا بالنعمة، وتربيةً لمشاعر الرحمة، وتدريبًا على كمال التسليم لله رب العالمين.

تقبَّل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال، وجعلنا جميعًا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.. وكل عام وأنتم في طاعة.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



معا سنغير

Posted by حسام خليل in

حبيبي يا رسول الله

Posted by حسام خليل in