تحويل القبلة وتربية الأمة

Posted by حسام خليل in

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..

فإن حدث تحويل القبلة كان أمرًا خطيرًا عظيم الآثار في تاريخ الإسلام، متعدِّد الأبعاد في حياة الجماعة المسلمة، وستبقى دروسه متجددةً على مرِّ الأزمان، يدلُّ على ذلك الحديثُ القرآنيُّ الطويلُ عن هذا الأمر، والذي كشف عن الكيد اليهودي المفضوح للإسلام والمسلمين، وكيف فشلت كل تلك الجهود اليهودية والنفاقية المحمومة، وبطل كل ذلك السحر الفاسد الذي اجتهد اليهود والمنافقون في ترويجه أو التشويش به على الحق الواضح الصريح ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)﴾ (الأعراف).

وثمة آفاق تربوية سامية حمل هذا الحدث المسلمين إليها، وسجَّلها القرآن لتبقى دروسًا متجددةً للأمة، ومنها:

1- تميُّز شخصية الأمة الإسلامية وتحديد وظيفتها:

أكد هذا الحدث لهذه الأمة حقيقتَها الكبرى، ووظيفتها الضخمة في هذه الأرض، وبيَّن مكانتَها العظيمة في حياة البشرية، وحدَّد دورَها الأساسي في حياة الناس، بدءًا باتخاذ قبلةٍ خاصةٍ لها، لا تتبع غيرها ولا تنقاد لسواها، فهذه القبلة هي أوسطُ القِبَل وأفضلُها، وهم أوسطُ الأمم وخيارُهم، فاختار أفضلَ القِبَل لأفضل الأمم، كما اختَار لهم أفضلَ الرسل وأفضلَ الكتب وأخرجهم في خير القُرُون، فقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 143).

وما دامت هذه مكانةَ الأمة، وما دام هذا دورَها، وما دامت هي الأمة التي تشهد على الناس جميعًا، وتضع لهم الموازين والقِيَم ويُعتَمد رأيُها فيهم، وتَفصِل في أمر قِيَمهم وتصوراتِهم وشعاراتِهم، فتميِّز الحقَّ من الباطل، في الوقت الذي لا يشهد عَليها، ولا يحكم على أعمالها، ولا يزن قيَمَها إلا رسولُها صلى الله عليه وسلم؛ ما دام الأمر كذلك فإن لها قبلتَها الخاصةَ التي أرادها الله لهَا، وبخاصةٍ أن المعنى المقصودَ من توجيه المسلمين إلى بيت المقدس قد تحقَّق، واستسلم المسلمون تمامًا لأمر الله، في الوقت الذي بدأ اليهود يتخذون من هذا الوضع حجةً لهم على أن دينهم هو الدين، وقبلتهم هي القبلة، وأنهم هم الأصل! فأولى بمحمد ومَن معه أن يفيئوا إلى دينهم؛ لا أن يدعوهم إلى الدخول في الإسلام.

أما كونها ﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ فمعناه: أنها الأمة الوسط بكل معاني الوسط، سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل، أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد، أو من الوسط بمعناه المادي الحسي، فهي أمة وسط في التصوُّر والاعتقاد، وفي التفكير والشعور، وفي التنظيم والتنسيق، وفي الارتباطات والعلاقات، لا تلغي شخصية الفرد ومقوِّماته، ولا تلاشي شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة، ولا تطلقه كذلك فردًا أثِرًا جَشِعًا لا هَمَّ له إلا ذاته، إنما تُطلق من الدوافع والطاقات ما يؤدي إلى الحركة والنماء، وَتطلق من النوازع والخصائص ما يحقِّق شخصية الفرد وكيانه، ثم تضع من الكوابح ما يقف دون الغلوِّ، ومن المنشِّطات ما يثير رغبة الفرد في خدمة الجماعة، وتقرِّر من التكاليف والواجبات ما يجعل الفردَ خادمًا للجماعة، والجماعةَ كافلةً للفرد في تناسقٍ واتساق.

وهي أمة وسط في الزمان، تنهي عهد الطفولة البشرية من قبلها، وتحرس عهد الرشد العقلي من بعدها، وتقف في الوسط تنفض عن البشرية ما علق بها من أوهام وخرافات من عهد طفولتها، وتصدُّها عن الفتنة بالعقل والهوى، وتزاوج بين تراثها الروحي من عهود الرسالات، ورصيدها العقلي المستمر في النماء، وتسير بها على الصراط السويِّ بين هذا وذاك.

وأمة تلك وظيفتها، وذلك دورها، خليقةٌ بأن تتحمَّل التَّبِعة وتبذل التضحية، فللقيادة تكاليفُها، وللقِوامة تبعاتُها.

ولم يعوِّق هذه الأمة اليوم عن أن تأخذ مكانها هذا- الذي وهبه الله لها- إلا أنها تخلَّت عن مرجعيتها الإسلامية وعن منهج الله الذي اختاره لها، واتخذت لها مناهج مختلفة، ليست هي التي اختارها الله لها.

وجديرٌ بالأمة أن تبصر الكنز الذي بين يديها، وأن تفاخر بالمنهج القويم الذي تضمَّنه القرآن والسنة، والذي يحقِّق لها السبق والريادة في العالمين.

2- تحديد مصدر التلقي للأمة المسلمة:

فهذه الأمةُ لا تتلقَّى دينَها وقِيَمَها وتصوراتِها وشعائرَها من أهل الكتاب ولا من غيرهم، وإنما تتلقَّى من الله وحده ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْممْتَرِينَ (147)﴾ (البقرة)، وذلك أمر تكرر التأكيد عليه في القرآن الكريم، فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفي بِالله وَكِيلاً (3)﴾ (الأحزاب)، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفي بِالله وَكِيلاً (48)﴾ (الأحزاب).

ولهذا فإن الأمة ينبغي ألاَّ تنخدع بحِيَل أعدائها على اختلاف أصنافهم، وألا تلتفت إلى إرجاف اليهود والمنافقين، وألا تفتتن بدسائسهم، وألا تستجيب لتحليلاتهم الزائفة، فهم قد عزموا أمرَهم على معارضة الإسلام ومحاربة رسالة الحق والصدِّ عن دين الله ودعوته، والتشويه لكل ما فيه من جمال وجلال، ولا ينبغي للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة أن يتبعوا أهواءهم بعد ما جاءهم العلم ﴿وَلئنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145)﴾ (البقرة).

ولكن.. لماذا تخالف الأمة غيرها؟ وتدع التلقِّي ممن سواها من الأمم؟!

إن الأمة التي كتب الله لها قيادةَ البشرية، وريادةَ الدنيا؛ ينبغي لها أن تستمد تقاليدَها وأفكارَها ومنهاجها- مثلما تستمد عقيدتَها- من المصدر الذي اختارها للقيادة، ومن ثَمَّ فإن عليها أن تعطي غيرها، لا أن تأخذ من غيرها، فالأمة التي تأخذ من غيرها تبدأ بأخذ الأشياء المادية، ثم تتدرَّج إلى أخذ العادات المادية، ثم المظاهر الثقافية، ثم القِيَم والمقاييس، ثم العقائد في نهاية المطاف.

ولا يمكن للأمة الوسط القائدة أن تكون كذلك.. لا يجوز لها أن تقلِّد الأممَ الأخرى التي جاءت لتقودَها وترفعَها، وإنما تستمدّ وتتلقَّى التعاليمَ والتوجيهاتِ والتصوراتِ من الله تبارك وتعالى، لتقود البشرية إلى ما فيه سعادتها، وتنتشلها من التردِّي الأخلاقي الذي انحدرت إليه.

وما أحوج الأمة المسلمة اليوم إلى تذكُّر هذا المعنى السامق الرفيع، بعد أن انبهمت ملامحُها، وضاعت سِماتُها، وصارت تتلقى من أعدائها كل شيء، حتى القيم والمبادئ والتصورات والأفكار، إلى الحدِّ الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، وحذَّر الأمة من الوصول إليه، فقال: "لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ"، قيل: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فَمَنْ؟!" (متفق عليه).

فإذا كانت الحكمةُ ضالَّةَ المسلم يأخذُها عمن خرجتْ منه، ويستفيدُها من كل مَنْ صدرت عنه، أيًّا كان؛ فإن هذا الأخذ والتفاعل منضبطٌ بما لا يتعارض مع ثوابت الدين وخصائص الأمة، وبما لا يميِّع هويَّتها، أو يجعلها تقلد غيرها بغير وعي.

3- تذكير المسلمين بنعمة الله عليهم:

إذ جعلهم خيرَ أمة، وأرسل إليهم خيرَ رسول، وأنزل عليهم خيرَ منهج، ونقلهم من ظلام الجاهلية الدامس، وأفكارها المضطربة، ومقاييسها الفاسدة، إلى نور الإسلام، وسداد الحكمة، وكمال العلم ﴿وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)﴾ (البقرة).

ثم أمرهم بذكره وبشكره؛ إذ بهذين الأمرين يستوجبون إتمامَ نعمه والمزيدَ من كرامته، ويستجلبون ذكرَه لهم، ومحبته إياهم، ثم أمرهم بما لا يتم لهم ذلك إلا بالاستعانة به، وهو الصبر والصلاة، وأخبرهم أنه مع الصابرين.

إن على الأمة أن تدرك غاية الوضوح أن هذه النعمة لا يتم شكرها على الحقيقة إلا بالعمل الدائب لنشر قيم الحق والخير والفضيلة في العالمين، والعمل الجادِّ على تقديم هذا الخير الذي بين أيدينا إلى الدنيا بأسرها، وتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام لدى الآخرين الذين تطوَّع المرجفون بتقديمه بصورة مشوهة إليهم.. إنه حق البشرية على هذه الأمة أن تبصر هذا النور، وأن تتعرف إلى ما في هذا الدين من خير هم في أمسِّ الحاجة إليه.

وإذًا فقد انجلى هذا الحدث العظيم بكل ملابساته عن نتائج طيبة وثمرات عظيمة للإسلام والمسلمين، وحَرِيٌّ بالأمة اليوم أن تطيل الوقوف مع هذه الدروس الكريمة، وأن تتعلم منها كيف تواجه أعداءَها وخصومها، وتبطل- بإذن الله- كيدَهم، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله الله ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 51) .

شعبنا التركي

Posted by حسام خليل in


تحويل القبلة.. ودور الأمة نحو الأقصى

Posted by حسام خليل in

الرسول القدوة والمسجد الأقصى:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد؛

فإن أحداث سيرة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لا تزال أنوارُها على الأيام تزداد تلألؤًا، وتفيض حياةً وبركةً، كلما أعاد الناسُ النظرَ في أحداثها ازدادوا إيمانًا ويقينًا، وكلما أرجع العاقل فيها البصر رجع مستضيئًا مستنيرًا.

ومن ذلك: حَدَثُ تحويل القبلة من المسجد الأقصى المبارك إلى الكعبة المشرفة، الذي يذكِّرنا بالقدس تلك المدينة المباركة التي يدور حولها هذا الحدَث العظيم، والتي تستصرخ ضمائرَ المسلمين وضمائرَ الأحرار في هذا العالم؛ لاستنقاذها من أيدي الصهاينة، الذين يغيّرون معالمها، ويطردون أصحابها، ويحاولون تزويرَ تاريخها، وطمس هويتها العربية الإسلامية، ولن يبلغوا مرادهم- إن شاء الله- ما دام المجاهدون في فلسطين يقبضون على سلاحهم، وما دامت الأمة من ورائهم داعمةً ومؤيدةً للحق الأصيل.

لقد أمر الله النبيَّ صلى الله عليه وسلم والمسلمين بالتوجه إلى بيت المقدس في الصلاة، ليجمع لهم القبلتين، واستمر ذلك أكثر من ستة عشر شهرًا قبل أن يأمرهم بالتحول إلى الكعبة المشرفة؛ ليكون ذلك تنبيهًا لهم على ما للمسجد الأقصى من منزلةٍ وقداسة، فلا بُدَّ للرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم وللأمة الوارثة من الحفاظ على هذه المنزلة والقداسة له، وحمايته من عبث العابثين الذين يسعون في خرابه ويمنعون بيت الله أن يُذكر فيه اسمه.

التوجه إلى بيت المقدس وعنه تربية للأمة على الانقياد لأمر الله:

كان لتوجيه المسلمين في البداية إلى بيت المقدس حكمةٌ تربويةٌ بالغةٌ أشارت إليها الآيةُ الكريمة ﴿وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ (البقرة: من الآية 143).

فلم يكن سهلاً على العرب الذين ارتضعوا حب البيت الحرام، وعدُّوه شعار مجدهم؛ أن يتجهوا بسهولة إلى قبلة أخرى غير الكعبة، لكنهم انقادوا لأمر الله، إذ لم يكونوا يعرفون إلا الطاعةَ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وافقتْ أهواءهم أم لم توافقها، واتفقتْ مع عاداتهم أم لم تتفق، وهم الذين هدى اللّه ولم تكن كبيرة عليهم.

فلما امتحن اللهُ قلوبَهم للتقوى واستسلامَهم لأمر الله صرف الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى الكعبة، ليعود بالدعوة إلى أصلها، وهو عالميتُها القائمة على قواعد إبراهيم، دون تمييزٍ بين أبناء إسحاق (اليهود) وأبناء إسماعيل (العرب) ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)﴾ (آل عمران).

ومثلما انقاد المسلمون للتوجيه الرباني إلى بيت المقدس انقادوا كذلك للتوجيه الرباني إلى الكعبة المشرفة، فقالوا: سمعنا وأطعنا، ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ (آل عمران: من الآية 7)، حتى إنهم تحوَّلوا إلى البيتِ الحرامِ في أثناء صلاتهم، بمجرد سماعهم بتحويل القبلة، وبعضهم في صلواتهم لم يُتِمُّوها، فكانت الصلاةُ الواحدةُ إلى قبلتين.

تعريف الأمة بأعدائها وحقيقة عداوتهم وحدودها:

لقد كان تحويلُ القبلة سببًا في تمييز المواقف، وافتضاح أمر الأعداء، وبخاصة اليهود وإخوانهم من المنافقين، الذين لم يألوا جهدًا في الشغب على الإسلام والمسلمين؛ فإنهم كانوا يتخذون من توجُّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس في الصلاة ذريعةً للاستكبار عن الدخول في الإسلام، والادِّعاء بأنهم هم الأصل، وكانوا يقولون: استقبل محمدٌ قبلتَنا، وغدًا يدخل في ديننا ومِلَّتِنا.

وعلى عادة اليهود في الأَثَرَة والأنانِيَةِ والعنصرية الجامحة كانوا يحبون أن يكون كلُّ مَجْدٍ لهم، فلما نزل الأمرُ بالتحوّل إلى البيت الحرام عزّ عليهم ذلك، ودفعهم الحسدُ إلى الانطلاق لمحاولة بث الفتنة، فأطلقوا أبواقَهم من المنافقين لإلقاء بذور الشك بين المسلمين في قيادتهم المعصومة، وفي أساس عقيدتهم الرشيدة السديدة، والادعاء بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يتلقى الوحيَ من الله، وإنما يأتي بالدِّين من تلقاء نفسه.

وقالوا: إن محمدًا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكُنَّا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظر، وذهبت طائفة من زعمائهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريدون فتنتَه، وقالوا: يا محمدُ، ارجعْ إلى قبلتِك التي كنتَ عليها نتبعْك ونصدِّقْك.

وهذا يدل على أنهم انتهازيون لا يَجْرُون إلا وراء المصلحة، دون اعتبارٍ للعقائد والقِيَم، فهم كفروا بالرسول صلى الله عليه وسلم لمجرد أنه حوَّل وَجْهَهُ- بأمر ربه- إلى البيت الحرام، ناسين أن الأرض كلَّها لله، وأن الجهاتِ جميعَها واحدة بالنسبة لاطِّلاعه على عباده، ومن ثم استحقوا الوصف بالسفاهة ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)﴾ (البقرة).

ومن دلائل سفاهتهم: ظنهم أن تلويحَهم له صلى الله عليه وسلم باتباعه وتصديقه كفيلٌ بإغرائه بالعودة إلى التوجه نحو بيت المقدس، وبذلك يبلغون غرضَهم المفضوحَ بتأكيد إنكار الوحي، وإثبات بشرية القرآن، وتأييد الأراجيف والإشاعات الكاذبة التي روّجوها، ويحققون حلمَهم وأمانيَّهم الحاقدةَ بصدِّ الناس عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأكد هذا الحدثُ خُبْث مقاصدهم، وكشف أن الحقد والهوى والتعصب للباطل يحملهم على أن يقولوا ويفعلوا غير ما يستوجبه الحق المعلوم، وأن موقفهم من الإسلام ونبيه ليس مُؤَسَّسًا على جهلهم بحقائقه أو عدم اقتناعهم بطرق عرضه، كما يتصور بعضُ المسلمين، فهم لا ينقصهم الدليل، إنما ينقصهم الإخلاصُ والتجرُّدُ من الهوى، والاستعدادُ لقبول الحق متى ظهر ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)﴾ (البقرة).

ولهذا كان من واجب الأمة ألا تُلقي لشغبهم بالاً، وألا تتأثر بما يُلقونه من أباطيل وما يروِّجونه من أكاذيب ودسائس، وأن تشتغل بالعمل واستباق الخيرات، ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾ (البقرة).

ما أشبه الليلة بالبارحة:

هل ترى أيها القارئ الكريم أي فرق بين ما صنعه أولئك اليهود وإخوانهم المنافقون وما يصنعه الصهاينة اليوم- ومن ورائهم الطابور الخامس في قلب أمتنا الإسلامية- في فلسطين وعلى امتداد العالم، من شقٍّ للصفوف، وتزوير للحقائق والتشكيك في الثوابت، وسعي لإلباس الحق ثوب الباطل، ونصب للفخاخ في طريق الوحدة الإسلامية، وزرع للأشواك على طريق التعاون العربي والإسلامي، وإرهاب إعلامي لكل المناصرين للحق والداعمين للمقاومة من مختلف شعوب الأرض، واستغلال للإمكانيات الهائلة لقوى الضغط العالمية، لتمرير مشروعهم الزائف على الرأي العام العالمي.

إن من واجب الأمة على كل المستويات- على مستوى الأنظمة، وعلى مستوى النخب الفكرية والثقافية وقادة الرأي وعلى مستوى جماهير الأمة- أن تتعلم هذا الدرس من السيرة النبوية المباركة، وألا تتلكأ في العمل الجاد لتحرير فلسطين كل فلسطين، وأن تدرك أن الصهاينة لا يعرفون غير الحيل والألاعيب وفنون المكر المختلفة في التعامل مع غيرهم، وأن العمل الصحيح هو تقديم الدعم الكامل ماديًّا ومعنويًّا للمجاهدين، والتبني القوي لمشروع المقاومة، من خلال:

1- التعريف بقضية فلسطين وجذورها التاريخية، وبيان حقيقة الصراع مع الصهاينة، وأنه يأتي من منطلق رد العدوان واسترداد الحقوق، وأن القضية قضية المسلمين جميعًا، وكشف خداع المصطلحات، وتكريس المعاني الصحيحة لها في أذهان الناس وعلى ألسنتهم، فالجهاد ومقاومة المحتل ليس إرهابًا، والعمليات الاستشهادية ليست انتحارًا.

2- التأكيد على أن لكل فرد من الأمة دوره في هذا المضمار، وليس لأحد حُجَّة في التخلف والتخاذل والتراخي.

3- مواجهة الإحباط واليأس الذي قد يتسرب إلى قلوب الجماهير، وبث الأمل في النفوس، والتأكيد على الثقة بالله سبحانه وتعالى، وإعادة الثقة بالنفس فرديًّا وجماعيًّا، وبقدرة الأمة على المواجهة الإيجابية.

4- الدعوة إلى تحويل المشاعر والعواطف تجاه ما يحدث في فلسطين إلى أفعال إيجابية ومؤثرة، وإشاعة روح الجهاد في الأمة، والتأكيد على أهمية التربية للفرد وللمجتمع، والتأكيد على أن هناك حسابات ومعايير أخرى للنصر، إضافة إلى الحسابات والمعايير المادية الظاهرية.

وحَرِيٌّ بالأمة اليوم أن تحسن قراءة حادثة تحويل القبلة، وأن تتعلم منها كيف تواجه أعداءَها وخصومها، وتبطل- بإذن اللّه- كيدَهم، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله الله.

والله أكبر ولله الحمد.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رسالة من: أ. د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين


فضِل فرعون

Posted by حسام خليل in


رفرف وزقزق

Posted by حسام خليل in




طاير ومتوكل وعارف سكته

شادي وبيدندن على لحن الأمل

صوت غنوته

رفرف وزقزق يا جدع

ربك هيرزق من وسع

افرد جناحك ع السما وافرح وطير

وارمي حمولك كلها ربك كبير

الحلم شقشق بالنهار

بعد الشقى وطول انتظار

إيدك ف إيدي نبني بكره وضحكته

من غير ما نقلق أو نخاف من طلعته

مين قد قلبك وانت طاير في السما

رايق ومش خايف ومطمن قوي

ربك خلقنا والإرادة ف دمنا

ومفيش معاه خوف من خطر بيهمنا

ومنين هييجي الخوف وليه

ما دمت متوكل عليه

علماء الأمة والأمل المنشود

Posted by حسام خليل in

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..

فإن للعلماء مكانة عالية، ومنزلة سامية، ودرجة رفيعة؛ فهم الذين اصطفى الله من العباد وأورثهم كتابه العزيز المستفاد: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ (فاطر: من الآية 32)، وقد رفع الله درجاتهم: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: من الآية 11) ولا يستوي العالم مع غيره: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: من الآية 9) ومدحهم الله بقوله: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (آل عمران: 18).

وقد اختارهم الله ليرسموا للناس طريقهم للمعاش والمعاد، وجعلهم قادة المتقين، وأئمة المسلمين، وهم حفاظ الشريعة والدين؛ فهم ورثة الأنبياء، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ".

أيها العلماء..

أنتم عماد الإسلام، ووجودكم زيادةٌ في الإيمان، وسعادةٌ في البلدان، وعمارةٌ للأوطان، وصلاحٌ للرعية والسلطان، وإرغامٌ لأنف الشيطان، وأنتم الفارقون بين الحلال والحرام، والمرشدون إلى دار المقام، وتفصلون بين الناس عند التنازع والخصام.. جمع الله لكم الخير حين فقَّهكم في الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِى، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ".

العلماء هم الطريق لوحدة الأمة

إذا كان المسلمون قد انقسموا دولاً وممالك شتَّى، وكل دولة تفرَّقت أحزابًا وشيعًا متناحرةً، وبدا بينهم بأسهم شديدًا، فإن واجب العلماء عظيمٌ حين نتَّحد فيما بيننا، ونحرص أبدًا على أن نبني ولا نهدم، وأن نجمِّع ولا نفرِّق، وأن نقرِّب ولا نباعد، مستمسكين بقول الله تعالى:

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103)، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 92).

ولا غرو أن نؤمن بالقاعدة الذهبية التي تنادى بها المصلحون، ودعا إليها المجدِّدون، وعلى رأسهم الإمام حسن البنا: نتعاون فيما نتفق عليه، ونتسامح فيما نختلف فيه، ونتحاور أيضًا فيما نختلف فيه.. شعارنا التسامح والأخوَّة.. ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: من الآية 10).. يقول رحمه الله: "والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببًا للتفرُّق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء، ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة، من غير أن يجرَّ ذلك إلى المراء المذموم والتعصب".

ونهيب بالعلماء في كلِّ أنحاء الأرض الانضواءَ تحت راية اتحاد العلماء؛ الذي يضمُّ صفوفهم، ولا يمثل طائفةً ولا مذهبًا ولا دولةً ولا جماعة، بل لا يمثِّل إلا الإسلام وحده، الإسلام الداعي إلى الإصلاح والتجديد والتجميع، وألا تختلف قلوبهم، وإن اختلفت آراؤهم، فقد قالوا: اختلاف العلماء رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة.

العلماء ودورهم في مقاومة المفسدين

‌ إن الإسلام نظامٌ عالميٌّ للحياة، وعقيدةٌ خالدةٌ للبشر؛ لإسعادهم إلى قيام الساعة؛ ومن ثَمَّ جعل فيه سلطانًا ليقوم بتطبيق نظامه، ونشر عقيدته في العالم، ورعاية شؤون الناس على أساسه، وأبقى للأمة بمجموعها حقَّ محاسبة هذا السلطان، والذي أولته أمرها إن قصَّر في رعاية شؤونها، أو حادَ عن أحكام الإسلام في تطبيقه ونشره، ولم يكتفِ الإسلام بجعل هذه المحاسبة حقًّا للأمة تكون مخيَّرةً في القيام به أو تركه؛ بل جعله فرضًا عليها، بل أوجب عليها ذلك.

وجعل ذلك على علماء الأمة فرضَ عينٍ؛ لأنهم قادة الأمة الحقيقيون، والثلة الواعية فيها، والقائمة على أمر الدين والمبلغة لأحكامه والداعية إليه: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104).

وبشَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يواجهون الطغيان وينكرون على الطغاة؛ بأنهم من سادات الشهداء، فقال صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله".

وهذا الدور يقتضي من العلماء- على امتداد ساحتنا الإسلامية وعلى مستوى العالم- أن يؤدُّوا واجبهم علمًا وعملاً وتعليمًا، وأن يقولوا الحق دون خوف أو وجل: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾ (الأحزاب: من الآية 39)، يبلغ العالم رسالة الإسلام وهو موقنٌ بقول الإمام الشافعي:

أنا إن عشت لست أعدم قوتًا وإذا متُّ لست أعدم قبرًا

همتي همَّة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلَّة كفرًا

وعلى العلماء أن يجعلوا دينهم فوق دنياهم، وأمتهم فوق حكامهم، وألا يبالوا بما أصابهم في سبيل الله، وقد كان علماء الأزهر زعماء الشعب، وألسنة دفاعه، يردُّون الظلم، وتجبُّر الولاة، فيتقدمون الجموع، ويرسلون كلمة الحق في الإصلاح والعدل، ولا تهدأ نفوسهم حتى يسقط البغْي، وينتصر ما طالبوا به من إنصاف، وإذ ذاك تستريح ضمائرهم المؤمنة، كما فعل الشيخ الإنبابي، شيخ الجامع الأزهر، دخل عليه اللورد كرومر محييًا، فصافحه الأستاذ من جلوس، فاستعظم اللورد ما صنع، وسأله ألست تقوم للخديوي؟ فقال: "نعم؛ لأن الخديوي وليُّ الأمر، وهو منا، ولست مثله لدينا في شيء"، ولم يقل الشيخ ذلك تزلُّفًا للخديوي؛ فهو العالم الجريء الذي جابه الخديوي توفيق، وأفتى بعزله ومروقه دون تحفُّظ أو اكتراث.

وليس ببعيد عنكم ما قدمته جماعة الإخوان المسلمين من نصحٍ للحكام، وكلمة الحق أمام الحكام الجائرين، فاستُشهد منهم على أعواد المشانق من استُشهد، وفي طليعتهم: عبد القادر عودة ومحمد فرغلي وسيد قطب، واستُشهد العشرات في السجن الحربي وعذِّب الآلاف سنين طويلة، وما انحنت لهم هامَة، ولا لانت لهم قناة، بل خرجوا بعد عشرات السنين في السجن لمواصلة مسيرة الدعوة إلى الله، وما ضعفوا وما استكانوا لما أصابهم في سبيل الله، وصدق فيهم قول الله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23).

العلماء ودورهم في الجهاد في سبيل الله

إن من واجب العلماء الجهاد في سبيل الله، وتحريض الأمة على الجهاد في سبيل الله؛ فهم ورثة النبي، وإن من واجبهم أن يكونوا قدوةً للمؤمنين في الوفاء بعقد البيعة مع الله، المتمثل في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 111).

أيها العلماء الأفاضل..

دوركم عظيم في تقدُّم صفوف المجاهدين للكيان الصهيوني، والمشروع الصهيوأمريكي، وأن تجعلوا من قضية فلسطين والقدس القضية الأساس في حياتكم، فالعلماء مكانهم في صدارة المقاومة والجهاد، وما دور الأزهر في مقاومة الفرنسيين عنا ببعيد، وكذلك كان دورهم عظيمًا في جهاد الاحتلال الإنجليزي والفرنسي والإيطالي، بل كانوا في قيادة صفوف المجاهدين المتطوِّعين الذين خرجوا لمقاومة الصهاينة في عام 48 عند قيام دولتهم، وكان الإخوان المسلمون في طليعتهم، وفي صدارتهم الشيخ الشهيد محمد فرغلي، والدكتور مصطفى السباعي، والشيخ محمد محمود الصواف، وغيرهم كثير..

هل من خلف لعلماء قضوا نحبهم؟!

أيها العلماء الأجلاَّء..

لقد فارقنا أحبة من العلماء العاملين، والمجاهدين الصادقين، والدعاة المخلصين، كان لهم أثرٌ بارزٌ في تربية الأجيال، ودور ظاهر في الجهاد في سبيل الله، وعملٌ طيبٌ مباركٌ في الدعوة إلى الله، وفي انتزاعهم من بيننا انتزاع للعلم، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".

وكما جاء في الأثر: "موت العالم مصيبة لا تجبر، وثلمة لا تسدُّ، وهو نجم طُمِسَ، وموت قبيلة أيسر من موت عالم".

إن واجبكم أيها العلماء سد هذه الثغرة بالسهر في التفقُّه في الدين، والمثابرة في تحصيل العلم النافع، والصبر على الجهر بكلمة الحق.

رحم الله مَنْ مات مِن علمائنا الأجلاء، ووفق لسدِّ ثغرتهم مَنْ بقي مِن الأحياء، ووفَّقهم للعلم النافع، والعمل الصالح، ووفق الله فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، للعودة بالأزهر الشريف إلى سابق مجده، والارتقاء بعلماء الأزهر ليكونوا القدوة في العلم والعمل وقيادة الأمة لكل خير، والارتفاع بها في سلَّم الارتقاء والرفعة، وما ذلك على الله بعزيز، وليس عنا ببعيد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

والله أكبر ولله الحمد.

صمت وظلام

Posted by حسام خليل in

في بعض الأحيان كان يستغرق وقتا طويلا قبل أن يدرك في أي حجرة من البيت ينام وفي أي اتجاه ، ولكنه في هذه المرة استغرق وقتا أطول ولم يكتشف في أي بيت ينام وهل ما زال نائما أم أنه استيقظ ولا يستطيع القيام من شدة التعب ؟
إنه يسمع أصواتا بجواره في الغرفة وأصواتا خارج الغرفة ولا يرى سوى بصيص من ضوء خافت يخترق عينيه المغمضتين خلف الغطاء ، فكيف يكون نائما ؟
ولكن عينيه لا تطاوعانه ، يحاول فتحهما ولا يستطيع ، يريد أن يعرف الوقت ومتى نام ؟ وأين هو الآن؟
هم برفع ذراعه الأيسر ليعرف الوقت ولكنه يشعر أنه لا يمتلك أطرافه ، حاول أن يمد يمناه ليضغط على مفتاح الكهرباء ولكن دون جدوى.
صرخة في أعماقه تشق طريقها نحو الخروج ليستغيث بمن حوله ولكنها ظلت حبيسة عاجزة ، بدأ الرعب يتسلل إلى قلبه من هذا الكابوس المخيف ، ووصل الرعب إلى منتهاه وهو يسمع من بالحجرة في طريقهم للخروج ، وأحس بزلزال مروع عندما سمع صوت غلق الباب بعنف شديد وإحكام أشد وهو يتساءل : لماذا تركوني وحدي ؟ لماذا أغلقوا الباب عليّ ؟ أين أنا ؟ وهل نحن بليل أم نهار؟ وهل أنا نائم أم مستيقظ؟
هل هو حبس انفرادي في زنزانة ؟ ولكنه لا يتذكر كيف تم اعتقاله وكيف سيق إلى هذا المكان المظلم؟ والذي اشتد ظلامه تماما بعد غلق الباب فأصبح الظلام حوله حالكا دامسا تماما.
بدأ وحش الصمت يقترب منه كلما ابتعد قرع نعال من هم بالخارج ، حتى أصبح الصمت أشد ظلاما وأصبح الظلام أشد صمتا
إنه مسلوب الإرادة تماما بين صمت وظلام ولا يعلم شيئا عن المكان والزمان ، اشتد عطشه ولكن حاجته إلى الأمان أنسته الظمأ الشديد.
أيقن أخيرا أنه مستيقظ منتبه حينما سمع صوتا يشق الصمت ويبدد الظلام يسأله : ما دينك ؟ ومن ربك؟ ومن الرجل الذي بعث فيكم؟

نبض الوصال

Posted by حسام خليل


أنا لست أبحث عن قوام ساحرٍ
كلا ولا رمشٍ بسهم العشقِ
يرميني
ولا الألوان تخدعني
ولا الأزياء تغريني
أنا الظمآن يا ليلى
لعمق في معانيكي
وإحساسٍ
به تصحو شراييني
جمال الروح يُمْتعني
وزاد الحب يكفيني
ومنك الهجر يقتلني
ونبض الوصل
يحييني

حاجة البشرية إلى المعراج

Posted by حسام خليل in

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن والاه، وبعد..
قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الإسراء: 1).

وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَن رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُتِيتُ بِدَابةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا، فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلاَمُ، فَسِرْتُ فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلّ، فَفَعَلْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلّيْتَ؟ صَلّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإلَيْهَا الْمُهَاجَرُ، ثُمّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلّ، فَصَلّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلّيْتَ؟ صَلّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلّمَ اللّهُ عزَّ وجلَّ مُوسَى عَلَيْهِ السّلاَمُ، ثُمّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلّ، فَنَزَلْتُ فَصَلّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلّيْتَ؟ صَلّيْتَ بِبَـيْتِ لَحْمٍ؛ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السّلاَمُ، ثُمّ دَخَلْتُ بَـيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِيَ الأَنْبِـيَاءُ عَلَيْهِمُ السّلاَمُ فَقَدّمَنِي جِبْرِيلُ حَتّى أَمَمْتُهُمْ.." (سنن النسائي).

الغاية من الإسراء والهدف من هذه الرحلة جاء ملخصًا في جزء من الآية الأولى في قول الله تعالى: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ فبعد أن يرى رأيَ العين القدرةَ الإلهيةَ التي تتحرك به في أجواز الفضاء؛ لتنقله إلى المسجد الأقصى في الشام، ثم تعرج به إلى السماوات العلى؛ ليرى من آيات ربه الكبرى.. هذه الرحلة العظيمة تمنحه اليقين التام، والقدرة الهائلة على مدافعة الباطل القائم في الأرض والفساد المستشري في جنباتها، فبعد استناد علوم الأنبياء إلى رؤية الآيات العظيمة، يحصل لهم من عين اليقين، ما لا يقادر قدره، وليس الخبر كالمعاينة، فيتحملون في سبيل الله ما لا يتحمله غيرهم، وتصير جميع قوات الدنيا عندهم كجناح بعوضة لا يعبؤون بها إذا ما تدول عليهم بالمحن والعذاب.

وهذا ما يؤكده القرآن الكريم، ففي حق إبراهيم عليه السلام يقول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ (الأنعام: 75)، وفي حق موسى يقول الله تعالى: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾ (طه: 23).

وفي الحديث دلالة على أن الأنبياء السابقين أقروا للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وصلُّوا من خلفه، وهذا يفرض على أتباع هؤلاء الرسل أن يكونوا أنصارًا للرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت رسلهم يسلِّمون على الرسول ويشهدون له بالرسالة والنبوة، فما على أتباعهم إلا أن يصلُّوا ويسلِّموا على رسولنا صلى الله عليه وسلم، ويسيروا على نهجه، ويتبعوا شريعته التي تنبع من أصل شريعتهم، مع الفارق أنها خاليةٌ من التحريف وتحمل لهم التخفيف، وصدق الله حيث يقول: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الأعراف: 157).

كما أن الحديث يؤكد أن طيبة، وطور سيناء، وبيت لحم، وبيت المقدس؛ صارت من مقدسات المسلمين، وأنهم أولى بها ممن سبقهم؛ لأن رسولهم صلى الله عليه وسلم قد وطِئها بقدمه الشريفة، وآخر الأنبياء والمرسلين عهدًا بها، وبها صلى وأصبحت مسجدًا للمسلمين.

وإذا كان اليهود يبحثون تحت الأرض عن هيكل موهوم، حتى يتخذوا منه ذريعةً لأحقيتهم بتلك الأرض، فإن للمسلمين فوق الأرض مسجدًا شامخًا، وشاهدًا ظاهرًا للعيان، يعلن خمس مرات في اليوم أن تلك البقاع وما حولها أرض للمسلمين.

لقد اشتملت هذه الرحلة النبوية الغيبية على معانٍ دقيقة، وشارات حكيمة بعيدة المدى، تؤكد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو نبي القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، فقد التقت- في شخصه وفي إسرائه- مكةُ بالقدس، والبيتُ الحرام بالمسجد الأقصى، وصلى بالأنبياء خلفه، فكان هذا إيذانًا بعموم رسالته، وخلود إمامته، وإنسانية تعاليمه، وصلاحيتها لاختلاف المكان والزمان.

أما رحلة المعراج ففيها العبر الكثيرة:

أولها وأهمها: فرضية الصلاة
أيها المسلمون..

إن في فرضية الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج، حين كان قاب قوسين أو أدنى، وتكليفه بتكليم الله إياه، وهو في السماوات العلى؛ دلالةً على أهمية الصلاة، وعظم منزلتها، وعلى أنها معراجٌ يوميٌّ للمسلم مع كل مناجاة؛ حيث التذكير بيوم الدين، يوم يقوم الناس لرب العالمين، والتذكير برسالة المسلم التي من أجلها خُلق والمتلخِّصة في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ كما أنها دعوةٌ إلى التوكُّل التامِّ على الله والاستعانة به ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، كما أنها دعوةٌ للتميز التامِّ والاستقلالية الكاملة في المنهج والطريق، فطريقهم مستقيمة ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، وهي طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾، وذلك يكون باتباع القرآن الكريم.. ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام: 153)، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الشورى: من الآية 52)، وليحذر كل مسلم أن ينحرف عن هذا الصراط، بأن يسلك سبيل المغضوب عليهم أو الذين أضلهم الله.. من يهود أو نصارى..

إن الصلاة ترسم للمسلم طريقه وسط الظلمة التي تحيط به، وتأخذ بيده من بين الدعوات المتتالية التي تعمل على أن تحرفه عن طريقه، وقد رأى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء؛ حيث دعاه داع عن يمينه وآخر عن يساره فلم يجبهما، فلما سأل جبريل قال: ذاك داعي اليهود، أما لو أنك لو أجبته لتهوَّدت أمتك، قلت: وبينا أنا أسير إذ دعاني داع عن يساري: يا محمد، انظرني أسألك، فلم أجبه، قال: ذاك داعي النصارى، أما أنك لو أجبته لتنصَّرت أمتك".

وفي هذا المشهد تأكيدٌ أنَّ اليهود لن يتوقفوا عن العمل المستمر لتهويد المسلمين، كما أن النصارى يمكرون بالليل والنهار من أجل تنصير المسلمين، وأنهم لن يتحقق لهم الرضا عن المسلمين إلا إذا رجعوا عن دينهم واتبعوا اليهود، أو سلكوا سبيل النصارى، ولقد أكد القرآن الكريم هذا المعنى، وكرَّر الحديث عنه لتوعية المسلمين وتحذيرهم مما يحيكه لهم أعداؤهم.. قال الله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ (البقرة: 120).

والمسلم في صلاته ينتقل من دنياه إلى أخراه؛ حيث يسبح في الجنة مع المنعَّمين، وينظر عن بُعد إلى المعذَّبين كما جاء عَنِ الْحَارِثِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: "كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثة؟" قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، فَقَالَ: "انْظُرْ مَا تَقُولُ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟" فَقَالَ: قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي، وَأظمَأَتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا، فَقَالَ: "يَا حَارِثة عَرَفْتَ فَالْزَمْ".

وثانيها: مخاطر الذنوب والمعاصي وعاقبتها
لقد تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن مخاطر الأمراض الاجتماعية وبيَّن عقوبتها، كما شاهد ذلك في ليلة الإسراء والمعراج، ومن هذه الأمراض وعقوبتها:

* أكلة الربا، فقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم على قوم بطونهم كالبيوت، فيها الحيات تُرى من خارج بطونهم، فأخبره جبريل: "هؤلاء أكلة الربا".

* عقوبة أكلة أموال اليتامى، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً لهم مشافر (شفاه كبيرة) كشفاه البعير، في أيديهم قطع من نار كالأفهار (أي الحجارة) يقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم فأخبره جبريل: "هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلمًا".

* عقوبة جريمة الغيبة والمغتابين، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أناسًا يأكلون الجيف فأخبره جبريل: "هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس".

وذكرت الروايات عقوبة الزناة، ومانعي الزكاة، وخطباء الفتنة، والخطباء الذين يقولون ما لا يفعلون، والتهاون في الأمانة، ومن يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردَّها.

إن المعاصي والذنوب مهلكة ومدمرة للأمم قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (الإسراء: 16) وكذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد الجزاء الأوفى للأعمال الصالحة؛ ليستبشر من يفعلونها في الدنيا بحسن العاقبة، كالمجاهدين الذين يزرعون ويحصدون فورًا، وسمعه وقع أقدام بلال رضي الله عنه خلفه في الجنة؛ بسبب ركعات النوافل التي يصليها.

أيها المسلمون في العالم أجمع..

إن سورة "الإسراء" تسمَّى سورة "بني إسرائيل"، والمسجد الحرام جاء مقرونًا بالمسجد الأقصى، والحديث عن الإسراء جاء مقرونًا بالحديث عن فساد بني إسرائيل.. وفي ذلك دلالات وآيات، من أهمها:

* لقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم أهمية المسجد الأقصى ومسئوليتهم نحو المسجد الأقصى، وهو يقع أسيرًا تحت حكم الرومان، فحرَّروه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وظل ينعم بالأمن والأمان حتى وقع في أسر الصليبيين بعد خمسة قرون من هجرة المصطفى، ومكثوا ما يعادل قرنًا يعيثون فسادًا، حتى قيَّض الله له صلاح الدين الأيوبي فحرَّره، وها هو ذا يقع تحت الاحتلال اليهودي، وسبيلنا إلى تخليصه الجهاد في سبيل الله، على المنهج الذي سار عليه الصحابة الكرام رضي الله عنهم.

* أن التهديد للمسجد الأقصى هو تهديدٌ للمسجد الحرام وأهله، وأن النَّيل من المسجد الأقصى توطئةٌ للنيل من المسجد الحرام، فالمسجد الأقصى بوابة الطريق إلى المسجد الحرام، وزوال المسجد الأقصى من أيدي المسلمين ووقوعه في أيدي اليهود؛ يعني أن المسجد الحرام والحجاز قد تهدَّد الأمن فيهما، واتجهت أنظار الأعداء إليهما لاحتلالهما.

والتاريخ قديمًا وحديثًا يؤكد هذا؛ فإن تاريخ الحروب الصليبية يخبرنا أن "أرناط" الصليبي صاحب مملكة الكرك أرسل بعثةً للحجاز للاعتداء على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى جثمانه في المسجد النبوي، وحاول البرتغاليون (النصارى الكاثوليك) في بداية العصور الحديثة الوصول إلى الحرمين الشريفين؛ لتنفيذ ما عجز عنه أسلافهم الصليبيون، ولكنَّ المقاومة الشديدة التي أبداها المماليك وكذا العثمانيون، حالت دون إتمام مشروعهم الجهنَّمي، وبعد حرب 1967م التي احتلَّ اليهود فيها بيت المقدس، صرَّح زعماؤهم بأن الهدف بعد ذلك احتلال الحجاز، وفي مقدمة ذلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيبر.

لقد وقف دافيد بن غوريون زعيم اليهود بعد دخول الجيش اليهودي القدس يستعرض جنودًا وشبانًا من اليهود بالقرب من المسجد الأقصى ويُلقي فيهم خطابًا ناريًّا يختتمه بقوله: "لقد استولينا على القدس ونحن في طريقنا إلى يثرب".

ووقفت غولدا مائير، رئيسة وزراء اليهود، بعد احتلال بيت المقدس، وعلى خليج إيلات العقبة، تقول: "إنني أشم رائحة أجدادي في المدينة والحجاز، وهي بلادنا التي سوف نسترجعها".

* أن الصهاينة هم الذين سوف يدنِّسون مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينشرون الفساد فيما حوله، وأن تخليص الأرض من شرورهم وفسادهم لا يكون إلا على يد عباد لله مخلصين، يجمعون بين قوة العبودية لله وقوة البأس المتمثل في القوة البدنية وقوة السلاح.. ﴿عِبَادًا لَنَا﴾.

* أن الصهاينة لو أحسنوا واستقاموا فذلك يرجع على أنفسهم، وأن إساءتهم مردودةٌ عليهم:

﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ (الإسراء: من الآية 6)، وأن كل قطرة دم يريقونها سوف تراق منهم، وأن كل شخص يقتل فإنما يقتلون أنفسهم.

* أن تطهير المسجد الأقصى من فسادهم آتٍ لا محالة، وأن تطهير أرض فلسطين من شرورهم قاب قوسين أو أدنى.

* أن الله توعَّدهم بالتأديب، كلما عادوا إلى الفساد.. ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ (الإسراء: 8)، ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ (الأعراف: من الآية 167).

* أن القرآن الكريم يرسم لنا الطريق الأقوم للتخلُّص من فساد الصهاينة وتخليص الأرض من شرورهم.. ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ (الإسراء: من الآية 8) ولم يصل الصهاينة إلى ما وصلوا إليه إلا بعد أن كبَّلوا حمَلة القرآن الكريم، واعتقلوا أصحاب العقيدة من الإخوان المسلمين وغيرهم ممن تطوَّعوا للذَّود عن فلسطين، بتآمر بين الغرب والصهاينة والحكام العملاء، ولو بقي الإخوان المسلمون في الميدان ما قام الكيان الصهيوني، ولا رُفِعَ له علم، وقديمًا سلَّط الله على اليهود بختنصَّر حين قيل له عنهم: "هم قوم فيهم كتاب فلا يقيمونه، وأنبياء فلا يطيعونهم، وهم متفرقون".

ونحن سلط الله علينا اليهود حين عطَّلْنا كتاب الله، وأسقطْنا مكانة العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وساد فينا شعارهم: "فرق تسد".

طريق النجاة
* أن نُحيي كتاب الله بيننا، فنقيم العدل، وننشر الرحمة، ونحقِّق المساواة بين البشر جميعًا، وإن اختلفت عقائدهم وجنسياتهم وألسنتهم وألوانهم.

* أن نعيد للعلماء المخلصين الصادقين منزلتهم، وأن نستجيب لما يدعوننا إليه من شرع الله، ففيه حياتنا وعزنا.

* أن ننبذ الفرقة والتنازع والاختلاف، وأن نعود أمةً واحدةً كما أراد الله لنا.. ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 92).

* أن نجاهد في الله حقَّ جهاده، فأجرُ المجاهدين دائمٌ لا ينقطع، فقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، ما هذا..؟! قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله يضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه.

أيها المسلمون..

لن يصلح الله حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها..

وهل كان صلاحهم إلا في صدق إيمانهم بالله، وترابطهم في أخوَّة صادقة، جمعت العربي والحبشي والرومي والفارسي في صف واحد؟.. وهل كان عزُّهم وفلاحُهم إلا بالجهاد، وعشقهم للشهادة في سبيل الله؟!

واعلموا أيها المسلمون في كل مكان أن الأمة التي تُحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهبُ لها الله الحياةَ العزيزةَ في الدنيا، والنعيمَ الخالدَ في الآخرة، وما الوهن الذي أذلَّنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعدُّوا أنفسَكم لعملٍ عظيمٍ، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة .
رسالة من أ. د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين

يا قيس

Posted by حسام خليل in

يا قيس مهلا في هوى الأحبابِ
ليلي بحبك في أسىً وعذابِ

ما بين خوف من ملامة لائمٍ
أو بين شوق بعد طول غيابِ

تشكو لهم من بوح شعرك تارةً
وإليك تشكو تارةً وتحابي
تبدو أمام القوم غضبى بينما
تشدو بشعرك في دجى المحرابِ
والطير ردد في الصباح مغردا
ما أنشدت بالتيه والإعجابِ
حملت إليه الريح صوت غنائها
متعطرا بحنينها الأوابِ

هل جئت تطلب أم ستشعل نارها
بالبيت يلهب غيرة الأترابِ

فالغيرة الحمقاء تعصف كلما
أنشدت شعرا في هوى الأحباب

والنار لا تبدو ويعظم شأنها
إلا إذا اشتعلت بعود ثقابِ

يا قيس رفقا إن ليلى أرسلت
شيخا عجوزا مثقلا بخطابِ

(زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامة) وإيابِ

لا وزن للوام عندي والمسا
عي لا محل لها من الإعرابِ

واجبات الأمة أمام الجرائم الصهيونية

Posted by حسام خليل in

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد ...

يقول تعالى عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء:107), فكانت بعثته لإنقاذ البشرية جمعاء, من كل مظاهر الفساد والاستبداد وكبت الحريات وقهر الإنسان, وقد دفع النبي r ومعه المؤمنون ثمن هذه الدعوة من تضحياتهم : بأنفسهم وراحتهم وأوقاتهم وأسرهم وأموالهم, لتسعد البشرية بدين الله, فاستحقوا النصر من الله, لأن نصر الله يأتي طواعية لمن ينصره, فهو القائل تعالى ﴿ إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ (محمد : 7) .

جرائم اليوم محاكاة لجرائم الأمس

ومن هنا تأتي حقيقة الإسراء والمعراج في أنها بداية جديدة من حلقات التضحيات, فما سبقها من محن هو إعلان لهذه الحقيقة, في مواجهة خطة كان يقودها الشيطان وينفذها زعماء الكفر واتباعهم, والتي تمثلت في هذا الحصار الاقتصادي الذي دام لمدة ثلاثة أعوام, ففي الصحيح أنهم جهدوا حتى أكلوا الخبط وورق الشجر, وفي هذا التدمير الموجه للأسرة بالإرهاب والتعذيب, فمما ورد في السيرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة", وفي هذا التخريب للمجتمع كله بنشر الرذائل والموبقات, لفتنة المسلمين عن دينهم .

وما يفعله الصهاينة اليوم والظالمون وأهل الباطل ومن يدورون في فلكهم, إلا محاكاة للأمس, من جرائم عالمية وعبث بحريات الشعوب, ممثلة في حصار واحتلال لأوطاننا لنهب ثرواتنا, ونشر للإرهاب والعداء والانقسام بين أبناء الوطن الواحد لإضعاف شوكتهم, وتخريب منظم دقيق بالتزوير والتعذيب والنهب, وقتل إرادة الشعوب في أي بادرة نحو صحوتها, أو رغبتها في التغيير, أو مطالبتها بالإصلاح, لإحكام الاستبداد والفساد .

تأتي هذه الجرائم لتعمق حقيقة الإسراء والمعراج, في أن الجهاد هو الذي يحطم خطة الشيطان وحزبه, وأن المقاومة هي الطريق لاسترداد الحقوق المسلوبة, وأن العمل المتواصل هو البناء الحقيقي لأنفسنا وأسرنا ومجتمعنا وأوطاننا .

فما أشبه الليلة بالبارحة في التصدي لخطة الأمس التي كانت ترمي إلى إبادة الأمة, فأحرار الأمس الذين فكوا الحصار هم أحرار اليوم من شعوب الأرض شرقاً وغرباً, الناشطين لكسر الحصار, من مفكرين وعلماء وأشراف وعقلاء, رجالاً ونساءً وشباباً وأطفالاً, فتحية لكل من يساهم في, كسر الحصار عن غزة, وإنهاء الاحتلال الصهيونى لارض فلسطين ارض العروبة والإسلام .

وما أشبه الليلة بالبارحة, فالمحاصرون الأوائل استلهموا من المحن طريقاً للعزة والكرامة, وازدادوا تمسكاً وصموداً وثباتاً بإيمانهم وعقيدتهم ومقاومتهم, فتحية للمقاومة ضد الحصار والاحتلال, وللأحرار الساعين للتغيير وبناء حياة إسلامية سليمة لأوطانهم .

وما أشبه الليلة بالبارحة, فالجسد الواحد كان واقعاً حياً في إنفاق بيت النبوة, فقد أنفقت أم المؤمنين خديجة كل ثروتها وأموالها على المحاصرين, رغم ما أصابها من مرض كان سبباً في وفاتها, هذا الجسد الواحد نراه اليوم يزداد, فتحية لهذه الصحوة في إغاثة المحاصرين, وإعمار غزة, ونداء إلى الأغنياء بأن أعظم ادخار لكم يكون في إعمار أوطانكم خاصة المحاصرة والمحتلة, وليس في بنوك توجه أموالكم لقتلكم وإبادتكم!, في وقت ضجت شعوب الأرض من الدول الغنية المجتمعة لإبادتها!!, يقول تعالى ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ ( محمد : 38 ) .

وتبقى الحقيقة الصادقة

ولنتذكر جميعاً أن الله تعالى, حينما حدثنا عن هذه الحقيقة, جاءت في أفصح وأوضح بيان:

· فقال تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ (الإسراء:1)، فعون الله ونصره لا يتنزل إلا على عباده, الذين لا يخضعون إلا إليه, ولا يستسلمون لغيره, فهل حقق كل منا عبوديته لربه؟ يقول تعالى ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ ( الصافات : 171- 173) .

· وقال تعالى (ليلاً)، فماذا بعد الظلام إلا النور؟ فقد جعلها الله ليلاً لنتأكد يقيناً, بأن ذلك الليل حول الأمة وإن طال, فهو حتماً إلى زوال, فهل استصحب كل منا هذا الأمل الجميل ؟ .

· وقال تعالى (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)(الإسراء:1), ففي بيت المقدس أمَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأنبياء, عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه, لتكون القيادة دائماً موحدة على الإسلام الذي جمعهم!، ومن بيت المقدس انطلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، يقول تعالى ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى* مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى* أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ (النجم: 10 - 12), ويقول تعالى ﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم : 18), لتأتي لنا الآيات بحقيقة الرحلة المباركة, التي انطلق بها الإسلام في مرحلة جديدة لإنقاذ الأرض من الشر, فهذا قائد الأمة صلى الله عليه وسلم يقول لمن أثناه عن الانطلاق - بسبب أن الناس سيكذبونه في دعوته - :"وإن كذبوني", فترك للدعاة رسالة عميقة راسخة, فالتكذيب مهما كانت صوره فإنه إلى اختفاء, وتبقى الحقيقة الصادقة .

· ومن أجل ذلك كان يجتمع علماء الأمة سنوياً في بيت المقدس : كلما هلت ذكرى الإسراء والمعراج حتى كانت كارثة 67 فتوقف الاجتماع, وإلى الآن تحول هذه الجرائم الصهيونية دون هذه الاجتماع السنوي, من جرائم الجدار العازل لحبس القدس, وتدمير بيوتها, وتخريب مزارعها, وطرد أهلها, والاستمرار في المحاولات اليومية لتدمير المسجد الأقصى, على مرأى ومسمع من العالم .

ورغم كل ذلك ففي الغد نصلي بالأقصى, ويتحقق وعد الله تعالى ﴿ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ (الإسراء : 7 ), ومن هنا أرسل تحية ونداءً : تحية لاتحاد علماء المسلمين المجتمعين اليوم في تركيا, وكأنهم يستلهمون لأمتنا سالف مجدها, ووحدتها التي كانت ترفرف تحت راية الإسلام, يقول تعالى ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً, وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ (الأنبياء :92), أما النداء فإني أهيب بعلماء المسلمين أن يذهبوا فور إنهاء اجتماعهم بتركيا إلى غزة, لمطالبة العالم بإنهاء هذا الحصار الغاشم لأربعة أعوام متتالية, وأن يعلنوا من هناك : "بأن اجتماعنا القادم ومعنا شعوب الأمة, سيكون في القدس بإذن الله كما كان, وما ذلك على الله بعزيز" .

واجباتنا أمام حقيقة الإسراء والمعراج

· من أوجب واجباتنا اليوم تقوية واستمرار طلب العون الإلهي بحسن الصلة به, بأداء معراجنا اليومي لنحقق تمام العبودية له, بالمحافظة على هديته تعالى لنا, ألا وهي الصلاة خاصة صلاة الفجر, فهذه الصلة هي الطريق لاسترداد القدس وإنقاذ الأقصي, فالصلة بدأت وثيقة بين الصلاة والمسجد الأقصى, أولي القبلتين التي توجه المسلمون بالصلاة إليها سواء بمكة أو ما يقرب من ستة عشر شهراً بالمدينة .

· ومن واجباتنا اليوم ألا نرضى بالاستسلام والتنازل والهوان, ونحن في طريق التغيير والإصلاح, يقول الإمام البنا وهو يعدد عبر ودروس الإسراء والمعراج (كأن الله تعالى يقول لهذه الأمة : يا أيتها الأمة التي لم يرض لنبيها إلا مطالعة هذه العوالم تشريفًا للقدرة، لا تكوني في ذيل الأمم، ولا ترضي بالدون، ولكن إلى العلا دائمًا، ولا تظني أن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في شيء، بل في كل شيء .. ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ الأحزاب : 21) .

· ومن واجباتنا اليوم إحياء الجهاد والذود عن أقصانا, ومساندة المقاومة بكل ما نملك, حتى نحظى بشرف هذه الطائفة التي تقهر الصهاينة, فقد روى الإمام أحمد والطبراني، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا : يا رسول الله وأين ه ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".

وبذلك نحول الذكرى كما أراد الله أن تكون, يقول تعالى ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ (ق :37), وهذا هو نهج الإخوان المسلمين, يقول الإمام البنا عن موضوع هذه الحقيقة : "وهو موضوع لا يُعالجه الإخوان كقصة، وإنما يُعالجونه كعبرة وعظة من جانب, وكدافع للعمل من جانب آخر" .

والله أكبر ولله الحمد .

القاهرة فى : 19 من رجب 1431هـ الموافق 1 يوليو 2010م

رسالة أ.د. : محمد بديع

المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين