حسن البنا : سجل يا هلال رمضان

Posted by حسام خليل in



في ليلة من ليالي رمضان العظيم كان الإنسات الكامل محمد بن عبد الله العربي الهاشمي يتعبد في غار حراء على عادته ويطالع ملكوت السماوات والأرض مغمورا بجمال الكون مأخوذا بعظمة المكون وإذا بالروح الأمين جبريل يتنزل عليه ويوحي بإذن الله عليه
( إقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم )
فكانت تلك الآيات البينات فاتحة عهد جديد في تاريخ الإنسانية وعنوان كتاب جديد يحمل النور والروح والحياة والسلام والأمن للناس جميعا ، وبشائر الفجر المشرق بسنا الحق يتبلج فتنجاب بضوئه ظلمات الباطل في كل مكان
لقد قدم رمضان هذا للناس نبيا وكتابا قامت عليهما أعظم نهضة إنسانية عرفها الوجود ، وتمت بهما أضخم رسالة رأتها الدنيا فكان النبي محمدا صلى الله عليه وسلم وكات الكاب هو القرآن الكريم وكانت الرسالة إنشاء دين وإحياء أمة وإقامة دولة مهمتها في الوجود أن توحد الوجود تحت لواء المبادئ العليا والمثل السامية والفضائل الإنسانية الخالدة وأن تُخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض
ومضى النبي صلى الله عليه وسلم قدما يبلغ رسشالته ويتلو على الناس كتابه ودانت الجزيرة العربية واندك سلطان الكسروية وتقلص ظل القيصرية ورفرف لواء المبادئ القرآنية الجديدة على ملك شامخ يمتد من حدود الصين إلى الدار البيضاء ومن قلب فرنسا إلى مجاهل أفريقية ودخل الناس في دين الله أفواجا
ثم ماذا ؟ ثم دالت تلك الدولة وتقلص هذا الظل الوارف الممدود بإهمال تعاليم الإسلام وتنافس أهله على الملك والدنيا وحسن ظنهم بالأعداء وبالأيام وتأخرهم عن الأعصار والأزمان وجهلهم بمقتضيات تغيرها وتطورها فنسي الدين ونامت الأمة وتفككت الدولة وتفرق أمرها أيدي سبأ وظن الناس أن قضي الأمر وطوي هذا المجد أبد الدهر وقال المنافقون والذين في قلوبهم مرض : ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا
ولكن الله العلي الكبير رب الرسالة والقرآن تكفل بحفظهما
ووعد بالدفاع عن أهلها (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا
وذكر أن ذلك من سنته في خلقه (حتى إذا استيأس الرسل وظنزا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) وأبان عن الطريق في ذلك فقال : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )
والآن ها هو رمضان يطلع على الناس من جديد ويبدو هلاله المشرق الجميل ويبادر المسلمون في أقطار الأرض إلى فريضة الصوم لرؤيت طاعة لله العزيز الحميد فهل يشعرون مع هذا الهلال بمعنى التجديد ؟ وهل يطالعهم هلال رمضان الجديد بعهد جديد ؟ إن بين يدي المسلمين في أقطار الأرض الآن فريضة لا تعوض ، فقد تهدمت قواعد المدنيات والنظم، واضطربت أسس الحياة الإنسانية في كل مكان وراجت سوق الدعوة إلى مبادئ جديدة و آراء جديدة وتهيأت الدنيا كلها إلى قبول ما يُعرض عليها من ذلك ، وأخوف ما يخافه المصلحون أن خطئ الإنسانية الاختيار وأن تبهرها المظاهر الخالبة فلا تبصر الحقائق الخالدة فتسوء العقبى وينتكس الناس من جديد وتكون الطامة الكبرى على البشر جميعا
ويستطيع المسلمون أن يعملوا في هذا الوقت لأنفسهم وللناس معهم عملا مجديا نافعا بل لعله منقذ حاسم إذا تشجعوا فطرحوا اليأس والوهم وانهزوا الفرصة السانحة فعادوا إلى القرآن الكريم يجددون به دنيا ويجيبون به أمة ويقيمون به دولة
لقد شهد المسلمون أمما عظيمة حديثة تنهض من كبوتها وتنفض عنها رواسب القرون الطويلة والأجيال المتعاقبة وتحيا حياة جديدة على أساس رجل وكتاب
وأمام المسلمين الكتاب الرباني يذكرهم به شهر رمضان ، وأمام المسلمين كذلك سيرة الإنسان الكامل الذي أنقذ الله به الدنيا وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمام المسلمون كذلك "الإخوان المسلمون" بدعوتهم إلى الكتاب وإلى سيرة رسول هذا الكتاب فلا عذر لأحد بعد اليوم
لقد عزم الإخوان المسلمون أن يسيروا وهم لن يترددوا ولن يدَعوا الفرصة تفلت من أيديهم فتفلت بذلك من أربع مئة مليون من المسلمين وهم يهيبون بزعماء هذه الأمة المسلمة أن اعملوا ، ويرقبون أثر هذا النداء راجين من أعماق قلوبهم أن يكون له أثره العملي فيكونون أخلص جند للعاملين ، وإلا فقد أعذروا ، ولم يبق بعد الإعذار إلا أن يحملوا التبعة وينفروا خفافا وثقالا في سبيل الله (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) فسجل ذلك يا هلال رمضان

This entry was posted on الأربعاء، 19 أغسطس 2009 at 6:27 ص and is filed under . You can follow any responses to this entry through the comments feed .

0 ممكن رأيك لو سمحت

إرسال تعليق