الرسول القدوة والابتلاءات

Posted by حسام خليل in

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد ؛

ففى ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة الله للعالمين والقدوة البشرية السامية سنتناول بعون الله وتوفيقه على مدار رسالتين موضوعين متكاملين، الأول : كيف واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الابتلاءات، والثانى : الرسول القدوة والمبشرات .

أولا الابتلاءات : عندما نتدبر آيات الله عز وجل فى القرآن التى حدثتنا عن ابتلاءات الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين سنجد أنها سنة لا تتخلف أن يكون هؤلاء الرهط الكريم أكرم الخلق على الله أشد الناس بلاءً "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل" وقد تعددت صور الابتلاءات وتنوعت لكل رسول ونبى على حدة .

وعلى رأس الجميع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فكم ونوع الابتلاءات التى تعرض لها لم تجتمع على إنسان واحد قط كى يكون بحق قدوة لكل مبتلى وكل مظلوم وكل من كُذّب وأوذى ، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)(الأحزاب:21)

فها هو يعانى من اليتم المزدوج للأبوين وكذلك الاغتراب منذ طفولته والفقر وضيق ذات اليد حتى يعمل راعيا للغنم ثم قاسى وفاة الجد ووفاة العم ووفاة الزوجة ووفاة الابن وطلاق البنتين وابتلاء حمل الرسالة وثقل الأمانة فى مواجهة الصد والتكذيب والإيذاء وضربه بالحجارة وإلقاء سلى الجزور على ظهره الشريف وإيذاء أتباعه بكل صنوف العذاب، ثم الحصار والمقاطعة والسجن فى شعب أبى طالب "ما لهم من طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت الأشداق" وهو ما لم يحدث فى أى سجن من السجون حتى الآن .

وكان الصحابة يستغيثون به لعل دعوة واحدة مستجابة ترفع عنهم هذا البلاء ... وقد كان ذلك ممكنا لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذه سنة الله فى أصحاب الدعوات لقول الله عز وجل (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(البقرة:155)

من هم هؤلاء ؟؟ (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(البقرة:156) أى أننا نحن وما نملك ملك لله وكلنا وما تحت أيدينا عارية مستردة سيأخذها صاحبها وقت ما يشاء.

لذلك كان صلى الله عليه وسلم يضرب للصحابة مثلا أصعب مما هم فيه من التعذيب والأذى وهو ما حدث لأصحاب عيسى ابن مريم عليه السلام ليؤكد لهم أن هذه ضريبة الدعوات وثمن الجنة لمن أراد أن يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله فسلعة الله غالية، وليس أمامهم إلا الثبات حتى يظهر الله هذا الدين أو نهلك دونه .. وقد عرضت عليه كل الإغراءات يا من تظنون أننا طلاب سلطة "لو أردت مُلكاً ملكناك ولو أردت مالاً جمعنا لك المال حتى صرت أغنانا فكان رده صلى الله عليه وسلم "والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه"

ولقد حذره ربه ونحن من بعده { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ } [ المائدة : 49 ] { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] ومن هنا وبناء على هذه القواعد الأصلية علمنا الأستاذ البنا رحمة الله عليه أن ما يصيبنا فى هذا الطريق إنما هو من العلامات الدالة على سلامة الطريق وصدق التوجه "ستسجنون وتشردون وتنقلون وتصادر أموالكم وسيستغربون فهمكم للإسلام عندها تكونون قد بدأتم تسلكوا سبيل أصحاب الدعوات" ..

حتى لا يظن أحد أن هذه الابتلاءات سببها أننا دخلنا المعترك السياسى وأننا ننافس فى الانتخابات وأننا لو توقفنا عن ذلك وانكفأنا على ذاتنا وحصرنا دورنا فى العمل الدعوى والتربوى لأنقذنا أنفسنا وإخواننا وجماعتنا من هذا الظلم والاضطهاد والسجون والمعتقلات ومصادرة الأموال وتفزيع الزوجات والأولاد والبنات والآباء والأمهات .. وهذا وهم لأنهم لا يحاربوننا من أجل الإقصاء السياسى أو الاستئثار بالبرلمان والنقابات والاتحادات والنوادى .. كلا وألف كلا .. والله لو تركناهم وشأنهم ما تركونا وشأننا، أما السبب الحقيقى فهو الحق الذى تحمله والإسلام الشامل الذى ننادى به كما قال ورقة بن نوفل ابن عم أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم "فما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودى" وأننا وهم فى سفينة واحدة يحاولون خرقها ، ونحن أمرنا أن نقف فى وجه إفسادهم لننجوا وسينجون معنا إن استجابوا .

وكانت السيدة خديجة رضى الله عنها ثاقبة النظرة أوتيت الحكمة .. هى هى التى قالت أنه صلى الله عليه وسلم "يقرى الضيف ويصل الرحم ويحمل الكل ويعين على نوائب الدهر ويكسب المعدوم" ونحن نحاول أن نقدم ما أمرنا به الإسلام وقدمه لنا قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعمال البر والخير فلم يزدهم ذلك إلا اضطهاداً لنا وإغلاقاً لمدارسنا ومصادرة لجمعياتنا الخيرية ومستوصفاتنا التى تحمل الخير والبر والعلاج لكل أبناء الوطن مسلمين ومسيحيين.

وهى هى أيضا التى طمأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وطمأنتنا من بعده ما دمتم تقومون بما قام به رسولكم الكريم "والله لن يخزيك الله أبدًا"

لأنه من السنن الإلهية أن من يفعل ذلك سيعاديه أهل الباطل وجنود الشيطان ولكن العاقبة دائماً للمتقين وقد كانت وستظل .

ولقد كان كل همه صلى الله عليه وسلم البحث عن حصانة للدعوة وحماية لها لا عن نجاة له من الأذى "من يؤوينى حتى أبلغ دعوة ربى .. حتى يظهره الله أو أهلك دونه" .

لذا كان هتافك الدائم الجهاد سبيلنا بكل صوره وعلى قدر إمكانات كل فرد فينا فهو ذروة سنام الإسلام وأفضله كلمة حق (فقط) عند سلطان جائر انظروا كيف تكون عند الله قيمة كلمة الحق مهما كانت نتائجها حتى ولو كانت قتل قائلها عندها سيكون فعلاً الموت فى سبيل الله على أى جنب وفى أى حال وفى أى مكان أسمى أمانينا .

وكأنى برسول الله صلى الله عليه و سلم فى سيرته العطرة الزكية يقول لنا بلسان الحال .. هل تظنون أن الابتلاءات ستتوقف حتى بعد التمكين وإقامة الدولة الإسلامية والتى كان قائدها وزعيمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هذا ما حدث ؟ نعم إن الابتلاء هو الابتلاء والاختبارات هى هى الاختبارات { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران : 141] والنتائج هى هى نفس النتائج من باع نفسه وماله لله لا يقترح على الله كيف ومتى يأخذها او يأخذ بعضها فكلنا لله وكلنا إليه راجعون .

ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مَكَّن الله له ولصحابته يُؤذى أذى يترك إصابات مستديمة تلازمه حتى لقى ربه ( كُسرت رباعيته وشج وجهه وغابت حلقتى المغفر فى وجنتيه الشريفتين كل هذا حتى يكون الدرس أقوى والأذى أبلغ فى نفس كل من تسبب فى إيذاء رسول الله من الرماة الذين خالفوا أمره ..

بل كان أكثر ما يؤلم المؤمنين الصادقين أن نَجَم النفاق فى المدينة بكل مشاكله عندما بدأت الدنيا تفتح عليهم .. فهل هناك راحة لمؤمن من كل أصناف الابتلاءات إلا أن يثبته الله على اى حال كان فلا يغير ولا يبدل حتى يلقى ربه وهو عنه راضٍ فتكون راحته فعلاً فى لقاء ربه .

ولقد مر عليه وعلى المسلمين حوالى ثلاثين غزوة وسرية بتوابعها فى عشر سنوات فقط .

وفى مرضه الأخير صلى الله عليه وسلم كان يوعك كما يوعك رجلان ويؤلمه أبهره ويعانى من آثار السم الذى وضعته له اليهودية كل عام فى نفس الميعاد.

وأسرّ فى أذن كل أخ حبيب بقول الله عز وجل (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً)(النساء:83) لا يمنعك أحد من التفكير فى الأفضل فالتفكير والتفكر فريضة لها أجرها نعم لا بأس يا أخى من الاقتراح حتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذى علمنا وشجعنا على هذا ولكن ضع اقتراحك عند قيادتك حتى تتم بركة الشورى وتخلص من حظ النفس، كان بعض الصحابة يقول هذا رأيى وأرجو ألا يعمل به لأن حب الظهور يقصم الظهور وبعد اتخاذ القرار ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(آل عمران: من الآية159)

وأنتم أيها الأحباب خلف الأسوار فى السجون والمعتقلات :

لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة فاصبروا واحتسبوا واجعلوا حلاوة الأجر تنسيكم مرارة الصبر وعما قريب بإذن الله ستقولون ذهب السجن وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله وانظروا فى دينكم إلى من هو أعلى منكم وفى دنياكم إلى من هو أدنى منكم يكتبكم الله صابرين شاكرين فرج الله كربكم وكرب إخوانكم بل وأخواتكم الأسيرات فى سجون العدو الصهيونى الغاصب لأرض فلسطين وخلفكم وخلفهم وخلفهن فى الأهل والولد والدعوة بخير ما يخلف به عباده الصالحين { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } [فصلت : 32 ]

( .... وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)

القاهرة فى : 4 من ربيع الأول 1431هـ الموافق 18 من فبراير 2010م

This entry was posted on الأحد، 21 فبراير 2010 at 10:11 ص and is filed under . You can follow any responses to this entry through the comments feed .

2 ممكن رأيك لو سمحت

غير معرف  

ماشاء الله عرض رائع وشيق لما لاقاة الحبيب المصطفى من ابتلاءات
وعجبنى جدا هذا القول الرائع ::
لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة فاصبروا واحتسبوا واجعلوا حلاوة الأجر تنسيكم مرارة الصبر . يالها من نصيحة رائعه ,, جزيت خيرا شاعرنا الرائع.

الوردة

22 فبراير 2010 في 11:25 ص
شاعر سبيل  

شكرا يا وردة على هذا العبير

23 فبراير 2010 في 6:26 ص

إرسال تعليق