6 أكتوبر.. بين انتصار العقيدة وهزائم التبعية

Posted by حسام خليل in

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، النبيِّ الأميِّ الأمينِ، ومَن والاه وسار على دربه إلى يوم الدين، وبعد..

للسنة السابعة والثلاثين، تأتينا ذكرى انتصار السادس من أكتوبر العاشر من رمضان، ناحتةً في وعي كل مصري وعربي ومسلم، بل وكل إنسان، لوحةً للفداء، يختلط فيها النصر بمقوماته، ويمتزج فيها دم المجاهد بعقيدته وحقه في الحياة على أرضه، ويرتفع في مدى النفوس المؤمنة نداء النصر الخالد:

"الله أكبر".. الذي التف حوله الجميع، رافضين الهوان أمام أخسِّ جيش تجمَّع من عصابات الإجرام في شتات الأرض.. ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ (المائدة: من الآية 82).

"الله أكبر".. النداء الذي أعلن أن أمة الإسلام قادرةٌ على قهر الطغيان، بشرط ضبط عقيدتها الحربية تجاه باريها؛ لتتجاوز بذلك كل يأس أو إشاعة لروح الانهزام ﴿وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)﴾ (النساء).

"الله اكبر".. يقينًا بأن السلاح لا يحقِّق الغلبة طالما كان المقاوم مؤمنًا بصدق التوجه وحقيقة الولاء وعدالة القضية وأبواب التاريخ تُفتح على أسلاف لنا فتحوا أقطار الدنيا، ومكَّن الله لهم في الأرض، وما كانوا أكثر عددًا ولا أعظم عدة، ولكنهم مؤمنون مجاهدون، رغم بشريتهم التي يصيبها ما يصيب البشر ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ (الأحزاب: من الآية 10)، إلا أن وعد الله حق ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)﴾ (الأحزاب).

"الله أكبر".. كانت أمل المصريين في استعادة مجد غابر" ليوم سادت فيه "الله أكبر" شعار حياة، وأصغت مسامع الأيام لها، وتردَّدت في فم الزمان قرآنًا، وأشرقت بـ"الله أكبر" شموس الهداية في كل مكان؛ ليعم الكون نور، ويرفرف على الدنيا سلام، ولتتذوق الإنسانية حلاوة السعادة بعدالة الحكم، وأمن المحكوم، مستسلمةً مختارةً للهداية المنقذة ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)﴾ (إبراهيم).

هزائم الواقع

بعد سبعة وثلاثين عامًا من الانتصار يطرح السؤال نفسه: ماذا بقي من نصر أكتوبر؟!
وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من رفع للواقع على كل المستويات (الأمني- السياسي- الاقتصادي- الاجتماعي- السيادي) وبعده نقيم ما تبقَّى من انتصار كان يستهدف تحرير الأرض والإرادة، وتحقيق العدالة والسيادة، ورفض كل أشكال التطبيع مع عدو ستبقى يداه ناضختين بدماء بني جلدتنا، يستوي في ذلك أسرانا مع أبرياء بحر البقر مع ضحايا الوحشية في صبرا وشاتيلا ودير ياسين وبحر البقر وقانا وجنوب لبنان وغزة.

إن من حق مصر والمصريين على ولاة الأمر فيها أن يطالبوا بألا تذهب دماء شهداء أكتوبر هباء، وألا تتم خيانة فدائهم للوطن وأهله، وبالتالي:

- فمن حق شهداء أكتوبر أن يجدوا سيادتهم على أرضهم التي خضبتها دماؤهم ومعابرهم سيادةً تامة وكاملة.

- ومن حق شهداء أكتوبر أن تقرَّ أرواحهم بكرامة عيش أهلهم وذويهم، دونما فساد يمتصُّ خيراتهم أو استبداد يسلب حريتهم التي أمَّنها لهم دماء شهدائهم.

- ومن حق شهداء أكتوبر أن تظل قيمتهم مرفوعةً وقامتهم سامقةً دون أن تنحني راية الممانعة في مجتمعهم أو يصير التفريط والاستسلام هما بديلا المقاومة والفداء.

إن الإخوان المسلمين وهم يتنسَّمون مع مصر والعالم الإسلامي والعربي عبق ذكرى انتصار السادس من أكتوبر يؤكدون المعاني الآتية:

أولاً- عدم تأميم الانتصار:

ليتحول انتصار الشعب بعقيدته إلى مجرد ذكرى تحييها الاحتفالات والخطب الرنانة، ويتحول الاحتفاء بقيم انتصار العقيدة إلى مجرد ألحان وكلمات، ولتستبدل الحركة نحو استمرار النصر إلى تفريط في مقومات الانتصار وترسيخ لتأميم الانتصار واستدماج دماء الشهداء في صروح البقاء والاستبداد، وبالتالي يكون المطلوب هو خطواتٍ حقيقيةً من الحكومة المصرية نحو شعبها لتحيي فيه إرادة الانتصار التي اشتعلت في أكتوبر وتمَّ التآمر عليها فيما بعد لإخماد جذوتها، فالشعب المصري خيرُ أجناد الأرض ببشارة المصطفى صلى الله عليه و سلم والأمن هو عنوان مصر.. ﴿وقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية 99) ومقدرات مصر كنوز لا تنفد، فما الذي نفتقده لتتوجه الأمة صوب الانتصار في كل المجالات سوى العمل الجادّ في ظل قيادة عادلة وأنظمة راعية وحكومات نزيهة.

ثانيًا- عدم نسيان العدو:

إن انتصار أكتوبر كان ضد عدو واضح وصريح؛ الصهاينة، ومن خلفهم أمريكا، ومن يقول إن حرب السادس من أكتوبر كانت آخر الحروب واهمٌ، فعقيدة بني صهيون تستهدف كلَّ من حولهم بحقيقة فضح الله لنواياهم ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)﴾ (المائدة)، وبالتالي فإن مجرد السير خلف أهوام الاستسلام الذي يسمونه سلامًا هو- وربي- عين التفريط في دماء شهداء أكتوبر، بموالاة من بيده كان العدوان، وبسلاحه كان السلب والاحتلال والقتل غدرًا، وما واقع التشرذم والتشتُّت والفتن والانقسامات إلا نتاجٌ طبيعيٌّ لموالاة العدو.. ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)﴾ (الأنفال).

وذات الأمر ينسحب على تفسير حالة الفساد الساري في أوطاننا بأشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما ثوب الذل الذي لا يستر إلا بديل طبيعي لعزّ الانتصار الذي فرَّطنا فيه من بعد الاعتزاز بـ"الله أكبر".. ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)﴾ (النساء).

ثالثًا- الحرب هي عقيدتهم:

أليست أمريكا هي الدولة التي بلغ عدد حروبها 235 حربًا خارجيةً، شنَّتها على شعوب العالم منذ إعلان استقلالها، هذا إضافةً إلى الحروب الداخلية التي أخضعت بها كثيرًا من المقاطعات والولايات الأمريكية ذاتها، وامتلكت لكل حرب أسبابها ومبرراتها لتحقِّق أهدافها، ومصالحها التي تجدد دائمًا؟!

ولئن كانت أمريكا أضفت المشروعية على احتلالها العراق ومن قبله أفغانستان بدعوى محاربة الإرهاب؛ فلقد كانت من قبل ترفع لافتة "محاربة الشيوعية" لتحارب تحتها الثورات التحررية في العالم الثالث، لتطيح بحكومة مصدق في إيران سنة 1953م عن طريق وكالة المخابرات المركزية، وتدخل القوات الأمريكية عام 1958م إلى لبنان، ثم تشعل الحرب بين شطري كوريا عام 1950م، بل إن البرلمان الأمريكي قابل الاقتراح بإلقاء قنبلة ذرية على كوريا الشمالية بتصفيقات حارَّة، وانتهى الأمر بأمريكا إلى التدخل المباشر في الحرب الكورية، وقد جاء هذا التدخل الأمريكي المباشر فرصةً لتدمير المؤسسات الصناعية والمدن والقرى في كوريا، وقتل مئات الآلاف من السكان، وهذا ما كان أيضًا في فيتنام ونيكاراجوا والصومال وغيرها من دول العالم.

إنها دولة عقيدتها الحرب، وربيبتها دولة صهيون؛ التي لو لم يكن لها من جريمة إلا الاستيلاء على وطن كامل لكفتها.. جريمة تدين كل العالم، وتخرس ألسنة الشرعية فيه، وتوصم كل المؤسسات الأممية بالتستُّر على سرقة فلسطين، والصمت على ضياع تراث الإنسانية بالحفريات تحت الأقصى وتهويد القدس وسلاسل لا نهائية من القتل والتدمير والسلب والتعذيب والسجن لأهل فلسطين، ورغم تواصل حلقات جرائم عصابات صهيون المنظمة والمستمرة فإن العالم ما زال يتحدث عن السلام وعن الحق الصهيوني في البقاء!.

رابعًا- دوائر الحرب تتسع:

لم تضع الحرب أوزارها، بل صارت دوائرها أوسع، وأمسى الاستهداف أوسع من مجرد الحدود؛ ليبتلع أممًا وأوطانًا وحضاراتٍ، رسمت وجه الدنيا، فسقطت أفغانستان في براثن الاحتلال، وتلتها العراق في أول احتلال مقنَّن يعرفه العالم عبر تاريخه.

وسهام العقوبات تطوق سوريا وإيران، بينما تستهدف سهام الفتن الصومال والسودان واليمن وباكستان ولبنان، وترشق في صدر الأمة الواحدة سهام الفرقة المذهبية والطائفية والعرقية، وتحولت دول عالم اللغة الواحدة والدين الواحد إلى أعداء يتراشقون التصريح والتجريح، ويتناحرون على حدود رسمها المحتل؛ ليعملها فينا سلاح بأس شديد بيننا، بعد أن كان شعارنا "رحماء بينهم".

وحتى العقول صارت مستهدفةً بقيم العولمة وفنونها؛ لتسود الاستهلاكية حياتنا، ونعتاد على ثقافات غريبة عنا وإبداع يخاطب الغرائز ويبني شخصيات مشوَّهة لا تؤمن بقيمة ولا تنتصر لفكرة.

هم العدو.. ﴿وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ يتحدثون عن السلام وحقوق الإنسان ﴿﴿يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (التوبة: 8).

هم العدو.. يعد العدة ويتحرك قالبًا الحق باطلاً والحقيقة سرابًا ومسميًا الجور والعدوان حربًا مقدسةً.. ﴿إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاً ولا ذِمَّةً وأُوْلَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ (10)﴾ (التوبة) .

وأخيرًا..

ونحن نتذكر نصر أكتوبر، نؤكد أن عوامل الانتصار والقوة في أمتنا كامنة، غير أن طاقاتها معطلة، وسواعدها مكبلة، وعقولها مغيَّبة بفعل قواعد الجور وقوانين الاستثناء وفساد الإدارة، وسلب الإرادة، فعلى ولاة الأمر أن يستوعبوا طبيعة المرحلة وحقيقة المسئولية الملقاة على كواهلهم بحكم ما استرعوا عليه، وهو ما سيؤاخذهم الله به بين يديه ليسألهم عن كل رعيتهم.

وإلى معاشر الإخوان كلمة..

ليكن انتصار أكتوبر هو راية الأمل التي تحملونها في نفوس الناس الظمأى إليه، فالهمم مستهدفة، وهزائم الواقع أنْسَت الناسَ قدرتهم على الانتصار.

اجعلوا شعاركم ﴿ولا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلا القَوْمُ الكَافِرُونَ﴾ (يوسف: من الآية 87) واتخذوا من الفعل الإيجابي- حتى وإن كان إماطة للأذى عن الطريق- النموذج العملي للقدرة على الإصلاح والتغيير المستند على إصلاح النفوس ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

وأعيدوا للانتصار قيمته، ولشهدائنا قدرهم؛ بفضح كل محاولة لبيع ما قدموه في أسواق التنازلات، وبكشف الوجه الحقيقي للعدو وتآمره، موقنين يقينًا لا يحتمل الشك بأن وعد الله حق ﴿ونُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5).

والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.



This entry was posted on الجمعة، 8 أكتوبر 2010 at 3:04 م and is filed under . You can follow any responses to this entry through the comments feed .

0 ممكن رأيك لو سمحت

إرسال تعليق